موحى الاطلسي
في أقل من أسبوع واحد، عرف النقاش العمومي بالمغرب سجالا صاخبا بين تيار ينادي بتحرير الجسد ومنع أية قيود تحول بينه وبين إشباع الغرائز والنزوات، مع المطالبة بإلغاء التشريعات المجرمة للفساد والمعاقبة عليه، من منطلق أن الجسد هو قيمة وملك شخصي، لصاحبه أن يتصرف فيه أنا شاء وكيفما شاء. هذا التيار يمثله فريق من الجمعيات الحقوقية ذات الامتدادات الشيوعية، ومن يسير في ركبهم من العلمانيين، ويحصر مطالبه في إلغاء المادة 490 من القانون الجنائي المغربي التي تجرم الفساد وتفرد له عقوبات سالبة للحرية.
وفي مقابل ذلك، خرج بعض علماء الدين وبعض رجال السياسة المتوشحين برداء المرجعية الدينية، ليشجبوا هذه الدعوات ويبطلونها من منظور شرعي، منطلقين في ذلك من مقاصد الشريعة وأحكام الدين الإسلامي التي تحرم العلاقات الجنسية القائمة خارج إطار الزوجية لما ينتج عنها من اختلاط للأنساب وشيوع الأمراض وانتشار الفحشاء وغيرها من موجبات التحريم.
لكن الملفت للانتباه في هذا السجال الحقوقي، هو أن هذه الدعوات الصريحة تزامنت مع دعوات أخرى غير معلنة أطلقها قادة العدل والإحسان يطالبون فيها بتحرير الجسد. لكن هذه المرة بإلغاء الفصل 492 من القانون الجنائي ! وقد يتساءل سائل لماذا تختلف الفصول القانونية مع أن المطلب واحد هو تحرير الجسد؟ والجواب هو أن العلمانيين كانوا أكثر مراعاة لمبادئ الإسلام من العدلاويين، فالتيار الأول ينادي بتحرير جسد الشاب والشابة غير المتزوجين، بينما تطالب العدل والإحسان بتحرير جسد المرأة المتزوجة وتحليلها على غير زوجها.
هذه ليست مجرد استنباطات من قبيل الإثارة فقط، وإنما هي حقائق يصدح بها واقع حال الجماعة، إذ كيف يمكن تفسير زيارة أعضاء مجلس الإرشاد لجماعة العدل والإحسان لمنزل هند زروق وهي التي ضبطت في منزل شخص غريب عنها، وكانت موضوع قضية خيانة زوجية وإن سقطت بالتنازل؟ ألم تكن هذه دعوة صريحة لمباركة الخيانة الزوجية؟ ألم تكن إيعازا إلى باقي القواعد والمريدين لإشاعة الفاحشة بين المتزوجات، ما دام أن أعلى هيئة تقريرية داخل الجماعة تبارك مثل هذه العلاقات الموسومة الفساد والخيانة ؟ ألم تكن دعوة لإلغاء الفصل 492 من القانون الجنائي الذي يجرم الخيانة الزوجية؟
لكن في خضم هذا النقاش العمومي، الذي تتقاطع فيه السياسة بالدين بالنـزوات النفسية، يجد القارئ صعوبة في تصنيف بعض المتدخلين الذين حاولوا مقاربة هذا الموضوع من أحد جوانبه، أو قدموا فيه وجهة نظر شخصية أو عكسوا فيه تصورا حزبيا معينا ! فأين يمكن تصنيف توفيق بوعشرين الذين انتحل صفة المشرع وحلّل خلوة الرجل بامرأة متزوجة داخل منزل موصد الأبواب بذريعة أننا في بلد منفتح؟ وأين يمكن وضع الشقيري الديني القيادي في حزب العدالة والتنمية الذي رجح تقبيل المرأة على قذف المحصنات، وقال بلغة العالم المتفقه أن تحسس أعضاء المرأة وتقبيلها بغير الوطء هو مجرد صغيرة من الصغائر تمحوها سماحة الإسلام وتواتر الصلوات؟
هل يمكن اعتبار توفيق بوعشرين، الذي أغراه القاموس المستعمل في مضافات بيشاور وإمارات طالبان، ضمن المطالبين بتحرير الجسد أم الرافضين للحرية الشخصية، أم أنه سيق إلى هذا الموضوع مدفوعا أو مدفوعا إليه من بعض الجهات. وهل يمكن اعتبار الشقيري الديني الذي انبرى مدافعا عن "أخته الفاضلة هند زروق" من أنصار دعاة تحرير الجسد ما دام أنه طالب بشرعنة القبل والخلوة، وهو في هذه الحالة سيكون موضوع نقد لاذع من طرف زميله في الحزب المقرئ أبو زيد الذي شحذ لسانه ضد مناصري هذه الدعوة.
إننا إذن أمام شخصيات وأقلام تتلون بألوان الطيف، أو كما يقال بالدارجة عندهم"بزاف الوجوه"، فهم مع الشيء ونقيضه إن حضرت المنافع والمزيات.