|
|
|
|
|
أضيف في 19 يونيو 2012 الساعة 41 : 08
أن نكون ديمقراطيين فهذا يتطلب منا تحديد منظومة متكاملة من المبادئ والمؤسسات والآليات الضابطة لعملية تحديد الخيارات واتخاذ القرارات العامة، والمؤكدة على حقوق وواجبات الفاعلين الملزمين بتنفيذ تلك القرارات.
من هذا المنطلق، التأمل في نتائج ومآلات التفاعل داخل المشهد السياسي المغربي الحالي، بعيدا عن تلك المقارنات التي يجري اعتمادها مع تجارب باقي بلدان المنطقة، لابد أن يفضي بنا على مستوى التفكير السياسي إلى وضع المنطلقات الكبرى موضع تساؤلات عميقة؛ من قبيل مقومات وخصائص السياسات والإصلاحات المعتمدة في منظومتنا السياسية، وعوامل نجاح مؤسساتنا السياسية، ومعيقات التطور وأصناف الاختلالات التي تعاني منها هذه المنظومة، وملامسة مداخل تحسين أداء الفاعلين والآليات المؤسساتية لهذه المنظومة...
فما الذي يحول دون التذكير بالعديد من المحددات التي تم الوقوف عندها من أجل قيام الدولة والأحزاب بالعمل على تسريع وتيرة إنجاز الإصلاح المطلوب، عبر اعتماد خارطة طريق تحدد مشاريع وتدابير برنامج لاستكمال إصلاح المنظومة السياسية؟
وما الذي بإمكانه اليوم أن يثنينا عن الرجوع إلى ما تم تسجيله من انتقادات حادة وتوقعات تحذيرية فيما يخص تقديرات الفاعلين الأساسيين السياسية غير الصائبة والمفضية إلى اعتماد خيارات واتخاذ قرارات بعيدة عن منطق الانسجام مع النتائج المنتظرة؟
وما الذي يمنع اليوم من استحضار التراكم الحاصل في مجال التنبيه والتحذير من السقوط في مغبة الواقع السياسي الذي أصبح فيه التيار السياسي الديني متحكما في المشهد السياسي؟
طبعا، نحن لا نستبعد قيام أي تقدير سياسي على معطيات قد نتفاوت في درجات التمكن منها حسب موقع أي فاعل سياسي في الساحة، لكن المؤكد هو أن هذا التفاوت أصبح مصدر تهميش لباقي التقديرات السياسية المتواجدة بغير موجب متطلبات المقاربة التشاركية التي تستدعيها العملية الديمقراطية من ناحية، ومن ناحية أخرى هذا يعني بالضرورة تقبل حجم ونوعية التفاوت الحاصل اليوم على مستوى تقييم تجربتنا السياسية، لعدم التوفر على عدة تقييمية مرجعية لمآلات المشاريع والتدابير والعمليات الخاصة بأي برنامج إصلاحي، سواء في ارتباطه بمستويات التنفيذ والأجرأة، أو في علاقته بالتغير الناتج عن تغير مواقع الفاعلين السياسيين داخل المؤسسات.
إن ما يشبه الفوضى السياسية، فيما نستقبله من مراحل، ستصير بمثابة أمر واقع مفروض، بسبب العديد من المؤشرات الدالة حسب مجريات الوقائع والأحداث السياسية الجارية اليوم، من قبيل الابتعاد التدريجي عن فكرة تأسيس الدولة العصرية القائمة على احترام التعدد والحقوق والحريات، والحضور القوي لمسعى الزيادة في جرعة التحكم في المجتمع لدى القائمين على تدبير الشأن الحكومي، والضعف والترهل المستفحل في صفوف المعارضة المؤسساتية واكتفائها بما يشبه الضجيج الإعلامي، والتراجع عن السعي إلى اعتماد أسلوب التدبير التفاوضي المعقلن في القضايا الحيوية للمجتمع والدولة، والغياب المُطَّرِد لضغط الإطارات المدنية...
وهذا التقدير لا علاقة له بمنطق التخمين أو التنجيم أو أي شيء من هذا القبيل، بل مرده إلى العديد من المؤشرات الدالة، نشير إلى أهمها على الشكل الآتي:
•إن المواطن لا يوجد في قلب الاهتمام والتفكير والفعل خلال أداء مختلف الأطراف السياسية حكومة ومعارضة، فالعديد من الملفات المثارة، منذ تشكيل الحكومة الجديدة إلى اليوم، تؤشر على غياب برنامج عمل محدد لمباشرة العمل الحكومي والاكتفاء بالقيام بإجراءات تدبيرية لا ترقى إلى مستوى التطلعات، ولا تدخل سوى في إطار تصفية الحسابات السياسية السابقة، والكثير مما أثارته أحزاب المعارضة لا يمكنه أن يدخل إلا في باب المزايدات السياسية. ولو كان الأمر محمولا على الجد، لالتزم كل طرف بمبدأ المحاسبة على قاعدة المسؤولية، وهو الأمر الذي كان يتطلب تجاوز منطق التراشق بالتهم والتهم المضادة، والدخول في إعمال آلية الاحتكام إلى القضاء بخصوص الاتهامات المتبادلة؛ فالاتهام بالفساد يوجب على الحكومة إحالة المعنيين به إلى القضاء، والاتهام بالسب والشتم والقذف يوجب على أحزاب المعارضة تقديم المعنيين به القضاء، وهكذا نكون أمام وضعية جديدة تمارس فيها السياسة بشكل مغاير، على قاعدة تفعيل القانون والمؤسسات.
•إن المنظومة السياسية، برمتها وبمختلف فاعليها وأطرافها، توجد اليوم خارج نطاق التفرغ لخدمة المواطن، والحال أن هذه المنظومة ينبغي أن ينصب جهدها كاملا في إطار النهوض بوظائفها كاملة غير منقوصة تجاه الأفراد والمجتمع، وهو ما يتطلب الارتكاز في الأداء السياسي على طبيعة وشكل الحاجات والانتظارات والتطلعات والطموحات التي ما فتئ يعبر عنها المواطن، والتي على أساسها نعيش مخاض هذه المرحلة السياسية، بدل الانغماس في التجاذب السياسي غير المجدي. فما العيب في أن تتضافر جهود الحكومة والمعارضة في الاتفاق على منهجية محددة ومضبوطة فيما يخص التعاطي مع ملفات الريع والفساد بما يخدم مصلحة المواطن. ويبقى مجال الاختلاف والتنافس والتباري ساريا بين الأحزاب المدبرة والمعارضة فيما يتعلق بطرق وكيفيات تدبير السياسات العمومية، حسب منظور كل طرف، لكن بمحدد المصلحة العامة التي تستحضر أولوية خدمة المواطن.
•إن فعاليات وأطراف المنظومة السياسية بعيدة كل البعد عن أهم الوظائف التي يجب أن تطلع بها تجاه المجتمع، وهي وظيفة المساهمة في تنشئة وتكوين المواطن بالمواصفات التي حددتها الوثيقة الدستورية، والتي بدورها لم تعمل سوى على ترجمة إرادة وتطلع وانتظار مختلف الفاعلين السياسيين في القيام بجعل المواطن في قلب العملية السياسية ومشاركا فيها ومساهما في تطويرها ومهتما بمنطلقاتها ومسارها ومآلاتها، فأسلوب المزايدات السياسية الجاري اليوم وعدم القدرة على إعطاء الممارسة السياسية مضمونا عمليا ينعكس على الواقع المعيش للمواطن يلعب اليوم في غير مصلحة التعبئة الوطنية الشاملة من أجل النهوض بالمنظومة السياسية، ويؤدي في نهاية المطاف إلى المزيد من الاستنكاف عن العمل السياسي وإضعافه. •إن المنظومة السياسية بتشكيلتها الجديدة، وبفعل انزلاقاتها، توجد في منآى عن أن تكون مفعمة بالحياة والحيوية التي ترجع الروح إلى السياسة عموما والأداء السياسي على وجه الخصوص، بل هي بذلك توجد خارج نطاق تشكيل قاعدة للانفتاح على محيطها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، وهي الآفة العظمى التي تفيد أن لا أحد من الفاعلين والأطراف يدرك عمليا أن مصلحة البلاد تكمن أساسا في قيام جميع أطراف العملية السياسية بالإعمال الديمقراطي لفلسفة ومضامين الوثيقة الدستورية. هذه بعض أهم المؤشرات الدالة على أن واقع مشهدنا السياسي ليس على ما يرام، وهو ما يدفعنا إلى اعتبار أن التفاعل مع الحراك الاجتماعي المفاجئ بمجمل القراءات والتقديرات السياسية لم يكن متملكا لتصور واضح للأفق، كما أنه لم يتمكن من تصميم خطة سياسية استراتيجية مضبوطة، ولا من برمجة لتدابير قانونية ومؤسساتية وسياسية عملية محددة في الزمان والمكان.
لنسقط في مطب حكم تيار سياسي ديني بقوة الشرعية التي استمدها من الديمقراطية الحسابية لصناديق الاقتراع، دون أي تموقع متقدم للأطر السياسية المحسوبة على القوى الديمقراطية والتقدمية، بفعل الحسابات الضيقة.
شيء ما ليس على ما يرام.
سامر ابو القاسم
|
|
2413 |
|
0 |
|
|
|
هام جداً قبل أن تكتبو تعليقاتكم
اضغط هنـا للكتابة بالعربية
|
|
|
|
|
|
|
|