السيميائيات وتحولات الوعي بالخطاب
مقالة رقم 1
بقلم بليبط رضوان: 15 6 2012
إشكالية المصطلح و المفهوم:
الحديث عن "السيميائيات" يثير كثيرا من اللبس في ذهن القارئ العربي،وعلة ذلك الفوضى المصطلحية التي عرفها النقد العربي مذ أقبل العرب على الترجمة عن الغربيين،وككل مرة يطرح مشكل المرجعية "الفرنكوفونية" أو "الأنكلوساكسونية"،وينقسم النقاد العرب إلى "متعصبين" للغة هاته الثقافة أو تلك،والنتيجة نقد عربي مأزوم يعج بالشروخ،فالقارئ المبتدئ طالبا كان أم باحثا أم عاشقا للقراءة يلاحظ آن التنقل بين ثنايا الكتابات التي جاد بها الناقد العربي أن هناك من يستعمل
" سيميولوجيا" ترجمة للمصطلح الفرنسي، بينما (sémiologie )
يترجم آخرون عن الإنجليزية فيستعملون مصطلح "سيميوطيقا"، فهذا أنطوان أبو زيد يختار تسمية"علم العلامات" أو "علم دراسة أنظمة العلامات"،في حين أن عادل الفاخوري يميل إلى مصطلح "السيمياء" (1 )،بينما يفضل عبد الملك مرتاض "السيميائية" على الرغم من أن هذين المصطلحين الأخيرين قد يجعلان القارئ العربي –حسب الغذامي و صلاح فضل_ يفهم أن لهما علاقة بالسيميا،وهو العلم الذي اقترن قديما عند العرب بالسحر و الكيميا . ومع مزيد من البحث نصادف الطيب بكوش يميل إلى مصطلح آخر هو "الدلائلية" عل الرغم من اقترابه،وربما التباسه بمصطلح"الدلالة"،بينما استعمل السوري منذر عياشي"العلاماتية" (2 ) ،.
أما المغاربة من أمثال محمد مفتاح و سعيد بن كراد ، فإنهم يفضلون استعمال مصطلح "السيميائيات" بالجمع،ولعل هذا مرده إلى أن موضوع هذا العلم هو كل أنواع العلامات وكل السيميائيات ،من سيميائيات الدلالة وسيميائيات التواصل وسيميائيات الإشهار والسينما والمسرح و الصورة وسيميوطيقا الثقافة. .. وأما جميل حمداوي فقد استعمل المصطلحين معا (3 ).فالأمر إذاً لا يمثل مدرسة بعينها أو" اتجاها واحدا محددا داخل التطور الأخير للنقد،وإنما يمثل مجموعة غير مترابطة من المدارس و الاتجاهات" (4 ) .في حين أن قاسم أحمد سيزا ونصر حامد أبو زيد ومن لف لفهما فيستعملون مصطلح "سيميوطيقا"،بينما يستخدم التونسي عبد السلام المسدي "علم العلامات (5 )... فالأمر إذاً لا يمثل مدرسة بعينها أو" اتجاها واحدا محددا داخل التطور الأخير للنقد،وإنما يمثل مجموعة غير مترابطة من المدارس و الاتجاهات" (6 ).
لكن هذه الفوضى المصطلحية الجدلية لم تكن وليدة النقد العربي،فبداية المصطلح عرفت الاضطراب و الغموض منذ تناوله الغربيون الذين انقسموا بدورهم إلى قسمين،قسم أول ينتمي إلى الثقافة الفرنكفونية وهم من تبنوا المصطلح الذي استعمله "فرديناند دو سوسير" مبشرا بميلاد علم اسمه"السيميولوجيا" (7 )،أما القسم الثاني فهم أبناء الثقافة الأنكلوساكسونية الذين تعصبوا لمصطلح "سيميوطيقا" الذي استخدمه "شارلز سندرس بيرس" (8 ) ،هكذا يظهرأنه عندما أقول (أنا سيميولوجي ) ،أنا أعلن ولائي للنموذج السوسيري أو الأوروبي في دراسة العلامات.أما حين أقول (أنا سيميوطيقي )، فأنا أنحاز للنموذج الأمريكي الشمالي مع ش.س.بيرس".ومن اللافت للانتباه تفشي الفوضى المصطلحية حتى داخل البلد الواحد، ولعل هذا ما عبر عنه رولان بارت قائلا:" منذ سنتين تنامت في فرنسا،حركة بحث وجدال تمحورت جهودها حول مفهوم "العلامة"،وصفته و قضيته:وليس يهم أن ندعو هذه الحركة:علم السيمياء البنيانية،التحليل الدلالي،أو التحليل النصي فالكل لا يرضى عن هذه الكلمات،لأن البعض لا يرى فيها سوى دُرجة والبعض الآخر يعتبرها استعمالا مفرطا في الامتداد.أما أنا فأكتفي بالتسمية علم السيمياء..." (10 )
لا بد إذن أن نسلم بأن الغربيين يضعون السيميوطيقا في مواجهة التوجهات السابقة للبنيوية و السيميولوجيا،"فمصطلح "السيميولوجيا" اليوم وفي أشيع معانيه المستخدمة، في مجال النظرية،يشير إلى النهج القديم؛إذ يركز تركيزا شبه كامل على اللغويات (السوسيرية ).أما مصطلح" السيميوطيقا" فهو الأكثر شيوعا الآن،ويستخدم لتحديد المجال دائم التغير الخاص بالدراسات البينية،وهو المجال الذي يرتكز في العادة على الظاهرة العامة الخاصة بال"معنى" في المجتمع (وهناك تعبيرات أخرى في الأشكال المستخدمة حاليا،وهي تعبيرات مساوية له بدرجة أو بأخرى:السيميوطيقا النصية،التحليل التفكيكي،النقد ما بعد البنيوي ) (11 )
وسنحاول فيما يأتي من مقالات هتك القناع عن موضوع السيميائيات و منهجها ،مع إلقاء نظرة عن هجرة المصطلح بصفة عامة،دون أن ننسى ذكر بعض الاتجاهات السيميائية، كما سنتطرق لسيميوطيقا بيرس، وسيميولوجيا دي سوسير .
الهوامش
(1 )عادل فاخوري تيارات في السيمياء،دار الطليعة للطباعة و النشر بيروت،ط1 ،1990 .
(2 ) ،العلاماتية و علم النص (نصوص مترجمة )،إعداد و ترجمة منذر عياشي،تقديم عبد القادر فيدوح،المركز الثقافي العربي الدار البيضاء،ط1 ، 2004.
( (3 ) )جميل حمداوي،السيميوطيقا و العنونة،مجلة عالم الفكر،المجلد 25 ،العدد3 ،1997 ،المجلس الوطني للثقافة و الفنون والآدابالكويت،ص79 80 .
(4 ) رامان سلدن،موسوعة كمبريدج في النقد الأدبي (ج8 )،العدد1045، من الشكلانية إلى ما بعد البنيوية، الفصل الرابع:السيميوطيقا، إشراف عام على الترجمة جابر عصفور،المجلس الأعلى للثقافة القاهرة،ط1 ،2006،ص143.
(5 )الأسلوبية والأسلوب،عبد السلام المسدي،تقديم عبد القادر المهيري،الدار العربية للكتاب،ط3 ،د ت.
(6 ) من الشكلانية إلى ما بعد البنيوية،م م،ص151.
(7 )فردينا ندي سوسير،علم اللغة العام،ترجمة يوسف يوئيل عزيز ،مراجعة مالك يوسف المطلبي ،دارآفاق عربية،د ط،1985 ،ص 34 .
(8 ) ch.s.peirce :Ecris sur le signe,Ed :seuil
(10 )رولان بارت،النقد البنيوي للحكاية،ترجمة أنطوان أبو زيد،منشورات عوبدات بيروت،باريس،ط1 ،1988 ،ص 5.
(11 )فيكتور بورجين،نهاية نظرية الفن ص،73 نقلا عن من الشكلانية إلى ما بعد البنيوية،رامان سلدن، ترجمة جابر عصفور،ص146.
يتبع إن شاء الله