تمرّ اليوم خمس و أربعون سنة على نكسة 5 حزيران (جوان) 1967، التي «كنس» فيها جيش الكيان الصّهيوني جيوش ثلاث دول عربيّة هي مصر، أم العروبة، و سوريا و الأردن.
وقد سمح هذا الإنتصار السّاحق الصّاعق ـ الذي بدأ بتحطيم السّلاح الجوّي المصري تحطيما شبه كامل ـ لإسرائيل بالإستيلاء على سيناء و الجولان و القدس الشرقيّة و الضفّة الغربيّة و هي مساحة من الأرض تجاوزت مساحة إسرائيل بعدة أضعاف، كما سمح لدولة من مليون ونصف ساكن ـ من اليهود ـ حديثة المولد بسحق جيوش دول يتجاوز عدد سكانها أضعافا مضاعفة.
إن المجال اليوم ليس مجال محاولة فهم منطلقات مثل هذه الهزيمة المذلّة وأسبابها فهو أمر تجاوزه الزمن، ويبقى من اختصاص المؤرخين وواضعي الاستراتيجيات العسكرية.
إلا أن هذه الذكرى قد تكون مناسبة سانحة للاشارة إلى أننا كعرب ـ وللأسف الشديد ـ لا نتعظ بأخطائنا ونبقى نكررها على الدوام.
إذ يبدو ـ والحق يقال ـ كأننا في حالة عجز عن استثمار هزائمنا وخيباتنا و»البناء» عليها من أجل مستقبل أفضل.
فقد كان الشعار الذي برز إثر هزيمة 5 جوان أننا «خسرنا معركة ولكننا لم نخسر الحرب». ولكن اليوم وبعد خمسة وأربعين عاما كاملة ما يمكن أن نستنتجه واضح وهو أن هزائمنا تتتالى الواحدة تلو الأخرى، فحتى حرب أكتوبر 1973 التي تقدم على أنها انتصار، كانت هي في واقع الامر هزيمة عرفنا خفاياها في ما بعد فسيناء عادت بالمفاوضات والجولان مازال محتلا في وقت القدس محتلة بالكامل ومهددة بالتهويد الشامل على المدى القصير، والعراق محتل بعد ان شنق رئيسه فجر يوم عيد اضحى مما مثل إهانة للعرب والمسلمين يكاد يكون وقعها ـ إلى جانب احتلال البلد ـ مساويا لوقع حرب حزيران.
إن سياسة الكل أو لا شيء هي دون أدنى اعتبار لموازين القوى بل للعواطف لا غير، هي دون شك التي سلطت علينا الهزيمة تلو الاخرى وأدخلتنا في نفق لا تعرف نهايته.
إذ أننا نبدو عاجزين عن إجراء أي مراجعات على منظومة تفكيرنا ـ فنصدق دائما من يعدنا بما نحب ولو تعارض ذلك مع الحد الأدنى من المنطق والمعقول وواقع الأشياء فقد وصل بنا الأمر في يوم ما إلى الاعتقاد بأن صدام حسين قادر على إلحاق الهزيمة العسكرية بأمريكا في الوقت الذي نخوّن فيه كل من يخاطبنا بلغة العقل والحكمة وكما يحدث اليوم لكل من يتجرأ على مكاشفتنا بأن المعركة يتم الاستعداد لها طويلا وهي عمل طويل النفس وقد يمتد على مدى أجيال وأجيال وأن كل صراع يتطلب في مرحلة ما المهادنة وضبط النفس والتخطيط البعيد المدى دون تخل عن لب القضية وجوهرها.
ورغم كل ما سبق فإن باب الأمل يبقى مفتوحا فالربيع العربي أظهر لنا ضوءا في نهاية النفق و ستبني الديمقراطيات الناشئة ـ بعد فترة مخاض نتمنى ألا تطول ـ إنسانا جديدا عقلانيا، مواكبا لعصره، يتحرك في محيط يوفر له الحرية والكرامة وكل حقوقه الأساسية وقادرا على استثمار أخطاء الماضي لبناء غد أفضل.
الص.ت