المغرب اختار الجرأة في الوقت الميت واللعب على ورقة التصعيد بسحب الثقة من روس
ا لمغرب اختار لغة التصعيد في مواجهة مسار مفاوضات يتعرض للتآكل التدريجي، كما قال وزير اهل تسرع المغرب في قرار سحب الثقة من مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء كريستوفر روس؟ وهل كان من اللازم التحلي باليقظة والحذر قبل اتخاذ هذه الخطوة "الجريئة"، في شكلها، والحاملة لمخاطر جديدةفي مضمونها، إذ بإمكانها أن تعود بالسلب على مسار القضية الوطنية في المستقبل القريب؟ أم أن لخارجية، سعد الدين العثماني، أمام أعضاء لجنة الدفاع بمجلس النواب، واختار التنزيل الأحادي للجهوية الموسعة في أفق سحب الملف من الأمم المتحدة؟ كل المؤشرات توحي بصمت القوى المؤثرة في القرار ، والصمت في الدبلوماسية لا يعني الرضا بل هو موقف يعبر عن القلق والاستياء أكثر من أي شيء آخر، وهو ما يعني أننا دخلنا منعرجا خطيرا موسوما بالقلق، قد يؤدي إلى وصول المقترح المغربي إلى الباب المسدود والعودة بالنزاع إلى نقطة الصفر، وتضييع جهود سنوات من "بروباغندا" انخرط فيها المغرب لإقناع شركائه بوجاهة الحل السياسي المتوافق حوله لطي ملف من إرث الحرب الباردة. كان القيادي الاتحادي محمد اليازغي محقا عندما وصف في برنامج على القناة الثانية، قرار سحب الثقة من روس بـ «الخطير»، رغم وجود ما يبرره، محذرا من أن الأزمة الحالية مع كريستوفر روس يمكن أن تتطور إلى أزمة مع الأمين العام للأمم المتحدة، وربما إلى أزمة مع مجلس الأمن. الاستشارة غابت عن قرار مصيري من هذا النوع، وكعادتها، فضلت الدبلوماسية المغربية أن تتحرك برأس واحد في العواصم الدولية لـ «استجداء عدم تضمين قرار مجلس أمن فظاعات تقرير روس»، قبل أن تعود لانتزاع الشرعية من البرلمان من خلال تقديم تفسيرات القرار وحيثياته في آخر لحظة من طرف وزير الخارجية. هذا الموقف يجد له صدى في موقف القيادي الاتحادي الذي انتقد اتخاذ قرار «خطير» من هذا القبيل دون مشاورات مع القوى الوطنية وحلفاء المغرب، متسائلا «الكل كان يجب أن يعرف إلى أين نحن ذاهبون». الموقف الاتحادي يذكرنا بالموقف التاريخي للراحل عبد الرحيم بوعبيد الذي عارض قرار الحسن الثاني بشأن قبول استفتاء تقرير المصير الذي طالبت به منظمة الوحدة الإفريقية في قمة نيروبي سنة 1981، دون الرجوع إلى ممثلي الشعب، وهو موقف كلفه السجن في ميسور صحبة القائد علي يعتة. ما أحوج المغرب اليوم إلى مثل هذه القيادات التاريخية التي تقول «لا» في الفترات العصيبة خدمة للوطن، والتي كانت دائما حاضرة بثقلها السياسي وحنكتها في هذه الفترات، رغم أنها لم تكن دائما على وفاق مع الملكية، فإنها كانت دائما تستعين بها في فترات الانحسار لإضفاء المصداقية الشعبية على موقف المغرب من نزاع مفتعل يعرف الجميع أن الجزائر سخرت لأجل ديمومته الأموال والعتاد وريع الغاز لإضعاف المغرب خارجيا، لأن النظام الجزائري يجد نفسه اليوم في ورطة من خلق «دويلة» وهمية على حدوده مع المغرب أضحت تشكل خطرا عليه أولا، إلا أنه يرفض تقديم تنازلات مجانية ويطالب بحفظ ماء الوجه قبل أن ينفض يده عن الملف، ورغم ذلك حرص سعد الدين العثماني منذ البداية على ابتلاع طعم تطبيع العلاقات الثنائية وترك الملف بيد الأمم المتحدة، قبل أن يخيب أمله بعد انتخابات الجزائر ووقوف الربيع على باب قصر المرادية دون أن يلجه، لتجد الدبلوماسية المغربية نفسها اليوم أمام العودة إلى الحقيقة المرة، وهي أن الجزائر ترفض أي تطبيع ثنائي أو فتح الحدود، ولا رغبة لديها في الوقت الحالي في رفع وصايتها عن مخيمات تندوف، فهل يحق لنا اليوم أن ندرجها في خانة النزاع بعدما كنا نبعدها عنه بالأمس القريب؟ إنه ارتجال في المواقف قد يضعنا في وضع حرج أمام المنتظم الدولي.
رشيد باحة