"كسر الخاطر"عبد الحميد جماهري.
مر مهرجان موازين، حضره أزيد من مليوني مغربي، وتابعه عبر الشاشات قرابة ثلث المغاربة.
وتلاشت، وسط أنغام العالم، من كل حدب وصوب، الدعوات التي كانت ترفع ضد المهرجان بنعوت لا نسمعها عادة سوى في أشرطة التكفير.
مهرجان موازين، بالرغم من كل ما يمكن أن يسجل عنه، أصبح واقعا فنيا مغربيا، ودوليا، أيضا، تضبط على دوراته الساعة الفنية.
الذين يحضرون المهرجان، هم من كل فئات المجتمع، كما أنهم من كل مشاربه ومن كل حساسياته.
أول نقاش دار، بعد مجيء الحكومة الجديدة، هو الذي دار حول ما إذا كان المهرجان مهرجان الدولة.
وكان الشوباني، وزير العلاقة مع البرلمان والمجتمع المدني، قد بشر وقتها بأنه «بعد سقوط حزب الدولة سيسقط مهرجان الدولة».
جاء المهرجان ومضى، وكان لافتا بالنسبة لكل المتتبعين حضور ولي العهد، وإحدى الأميرات إلى حفلات موازين في فقرات تبين نوع الرغبات الفنية التي تحدو كلا من الأمير والأميرة..
وكان واضحا، أيضا، الذي كان ينبيء بنهاية مهرجان الدولة لقي الجواب، ولا نعتقده سيجازف، مرة أخرى، بالحديث عن ذلك من منبر المسؤولية الحكومية...
وقتها سيكون شأن آخر إن حصل العكس..
وغير ذلك، فقد تبين أن المهرجان ليس بالضرورة مهرجان الدولة، وإن لم يكن مهرجان كل المغاربة..
الهجوم على المهرجان لا يكون دائما بالوضوح الذي تستوجبه المسألة، بل يعمد الكثيرون إلى رفع الكلفة والغلاف المالي، لا لأنه أكثر حرصا على المال المتداول في المغرب، بل لأن ذلك يمر بطريقة أفضل من التكفير والتشنيع والحكم بالردة وبالفساد الأخلاقي والذوقي والسلوكي..
أعرف كثيرا من الديموقراطيين والتقدميين لا يحبون المهرجان، ويرافعون ضده ويقاطعونه حتى، بمبرر الغلاف المالي، وهم لا يمنعون أنفسهم من الحياة الفنية بكل تلاوينها ومشاربها.
ولهم الحق، كما للآخرين الحق في أن يعارضوا المهرجان، لا من باب المنطلق ذاته، بل من منطلقات أخرى.
والمهم أن يكون هناك وضوح حول الموضوع، وضوح لكي نعرف ما إذا كان الذين حجوا إلى المهرجان مساهمين بدورهم في تردي الأمة وانهيارها؟
أليس من بينهم من يصلي ثم يخرج للمتعة الفنية؟
أليسوا مسلمين حتى يغادروا منصات الحفل ويبتعدون عنه؟
ليس هناك هجوم مضمون دائما على مهرجان فني، مهما كانت مبرراته، المطلوب العقلنة والترشيد، نعم لحماية المال إذا كان عاما، ولا يمكن أن يحيى الإنسان بالخبز وحده.
إن التعددية في الذوق الفني أصبحت، منذ مطلع السبعينيات، أمرا حاضرا في المغرب، كما كانت دوما في صلب النقاش الأدبي والثقافي الذي عرفه المغرب، ولازالت حتى في الدول التي سلمت بالحرية المطلقة في الفن، نقاشات من قبيل الأفضليات الفنية..
وقد رأينا جزءا من النقاش كان غير ذي موضوع، لأن المعطيات التي كانت تتوفر، حتى لدى وزير في الحكومة، لم تكن دقيقة ولم تربط بين المهرجان والمال العام.
موازين، الذي نجح هذه السنة أكثر من غيره، مهرجان مغربي، بذوق عالمي، كما هو مهرجان مراكش السينمائي، والذي أصبح يسجل في السيرة الذاتية لفنانين عالميين.
إننا جزء من العالم ولسنا جزيرة.. وهذا المعطى لا يمكن، بفعل التاريخ والجغرافيا، أن نلغيه، لأن أحدا ما، قد أكون أنا، لا يحب ماريا كاري..
"كسر الخاطر"عبد الحميد جماهري.