لن يغير من التاريخ في شيء أن يقرر شخص (ما ) التخلي عن جنسيته أو سحب البيعة من عنقه، لأن الانتماء إلى الوطن ليس مجرد جواز سفر يتم الإدلاء به في النقط الحدودية، أما البيعة فعقد شرعي بين الملك والأمة لا يلغيه زعْمُ شخص أنه تخلى عليه من دون أن يطلب منه أحد ذلك.
ولا تعكس مثل هذه المبادرات التي يتم الترويج لها، إعلاميا، من أجل استقطاب الأضواء سوى نوعا من النزوع نحو الراديكالية والتطرف، التي لا تقود صاحبها إلا إلى الحائط، بعدما يكون قد اختار بنفسه أن يسير في هذه الاتجاه، من دون أن يمنح الوقت الكافي للبحث والتحري أو التحقيق كي يأخذ مجراه الطبيعي إلى أن يبلغ منتهاه.
وحين كاتب القبطان السابق محمد أديب أو المهندس محمد بن صديق أو ... الديوان الملكي، فإنهم لم يتنظروا سوى لحظات قليلة قبل أن يعمدوا إلى تسريب مضمون مراسلاتهم للصحافة، والأجنبية أحيانا، من دون احترام للقانونين التي تلزمهم بالحفاظ على السر المهني، انطلاقا من المسؤولية التي يتحملونها، وهو ما يترتب عنه الجزاء الضروري في مثل هذه الحالات وفق النصوص الجاري بها العمل.
والأكيد أن الملك لا يمكنه أن يحمي من اختار انتهاك القانون، لمجرد أنه راسل الديوان الملكي، أولم يوصي محمد السادس، رئيس الحكومة عبدالإله بنكيران، بإعمال الدستور واحترام القانون، وأن لا يقيم أي وزن لأي اتصال مخالف للتنزيل السليم للدستور والاحترام التام للقانون: هذا هو صلب الموضوع، وما دون ذلك مجرد التواء على الحقيقة، لأن الدولة تحتكم إلى المؤسسات لا إلى النزوات أو الأحقاد الشخصية التي تجعل البعض مصرا على "إسقاط الطائرات" بمناسبة وبدون مناسبة بهدف إيهام الناس أن لا شيء تغير، بالرغم من أن الحزب الذي يقود التجربة الحكومية كان من أشد المدافعين عن أديب وبن الصديق والخياري.
قضية هؤلاء مجرد صفحة طويت على النحو الذي طويت به، وحتى إذا كان لأحد من ملاحظات على الطريق التي دُبرت بها الملفات الثالثة، وهو رابعهم، فلا مجال لاختلاق الكذب والافتراء على هذه اللحظة التاريخية، ويكفي أن نحيل (رابعهم) على تصريحات رئيس الحكومة، عبدالإله بنكيران، وعلى شهادات وزير العدل والحريات مصطفى الرميد، وعلى دفاع كل من أديب المحامي عبدالرحيم الجامعي، وعلى رئيس منتدى عدالة عبدالعزيز النويضي، الذين هم اليوم في صلب إصلاح القضاء.
فهل يعني انخراط هؤلاء في هذا الورش، هم الذين رافعوا لفائدة علي المرابط أمام ابتدائية الرباط، رغبتهم في حماية استمرار المعتقلات السرية، والتعذيب، والاختطاف؟
إن بعض القراءات أو التحليلات للواقع لم تتحرر بعد من رواسب الماضي، لأن الغرور المبالغ فيه يجعله أصحابها أو صاحبها لا يرى التحولات التي تحدث أمامه، رغم أن الكثيرين ممن كانوا في مثل وضعه تحرروا من عقدة يسميها هو "المخزن".
رشيد الانباري