ظهور الإرهاب الفردي دليل قوي على خطورة الإنترنت في تجنيد الإرهابيين وتدريبهم.
تعرف المنطقة المغاربية تناسل الخلايا الإرهابية التي تتهدد أمن المنطقة واستقرارها. وقد لعبت عوامل سياسية دورا مباشرا في توفير البيئة المناسبة لتفريخ الجماعات المتطرفة ونشر عقائد الغلو والتشدد، ذلك أن المجال الديني في البلدان المغاربية عرف، منذ بداية الثمانينات من القرن العشرين، تسيبا مهولا بسبب تشجيع الحكومات لحركة تجنيد الشباب من أجل الجهاد في أفغانستان. ونشطت جماعات دينية متشددة في استقطاب الشباب تحت أنظار السلطات التي كانت تريد التخلص من هذه الفئة التي تزعجها بمطالبها في الشغل والتعليم.
في هذا الإطار، سمحت السلطات بدخول آلاف الأطنان من الكتب الفقهية التي تحرض على العنف والجهاد وتنشر فقه التطرف وثقافة الكراهية. ولم تكن هذه الحكومات المغاربية، خاصة في المغرب والجزائر وموريتانيا وليبيا، تتوقع أن يفلت الشباب «المجاهد» من الموت على أرض أفغانستان، ويعود بأعداد كبيرة ورغبة قوية في مواصلة «الجهاد» على أرض وطنه. وما أن وقعت العمليات الانتحارية بالبيضاء في 16 ماي 2003 حتى أصيبت الأجهزة الأمنية المغربية بالصدمة والذهول، خصوصا أن المسؤولين كانوا يعتقدون في الاستثناء المغربي. وعلى إثر تلك الأحداث الإرهابية، قرر المغرب اعتماد سياسة دينية تقوم على ضبط الحقل الديني من خلال تعميم وصاية وزارة الأوقاف على المساجد، خاصة التي كانت تحت سيطرة التيارات المتطرفة، فضلا عن تأهيل الخطباء وإعادة تكوينهم بما ينسجم والانفتاح الثقافي والديمقراطي للمغرب، إذ انخرط المغرب في برنامج تأهيل الأئمة والخطباء على مستويين: الأول يشمل تكوين أئمة جدد ابتداء من 2005، إذ فُتح باب الترشيح أمام حاملي شهادة الإجازة في مختلف التخصصات للاستفادة من تكوين مدته عام. وشمل البرنامج تكوين الأئمة والمرشدات على حد سواء. وفي هذا الإطار، أكد وزير الأوقاف ضرورة استيعاب الإمام لفكرة لا تقل أهمية عن العِلْم، وهي فكرة الاندماج في المحيط الاجتماعي والسياسي حتى يسهم في البناء الأخلاقي للأمة وصيانتها مما يُكدّر صفْو أمْنها وطمأنينتها. أما المستوى الثاني، فيَهُم تكوين وتأهيل 45 ألف إمام وخطيب يزاولون مهامهم في المساجد، بهدف ملاءمة الخطاب الديني مع الأوضاع الجديدة، ومسايرة التطورات الحاصلة في المغرب، خصوصا أن إحصاءات وزارة الأوقاف لعام 2006 كشفت أن 82 في المائة من الأئمة لا يتوفرون على تكوين تعليمي ولم يتلقوا تعليمهم في المدارس، بل فقط من حفاظ القرآن.
والبرنامج نفسه نهجته الجزائر التي قررت، ابتداء من 2011، مضاعفة المناصب المخصصة لتكوين الأئمة، إذ سيتم تكوين 1000 إمام سنويا بعد أن كانت 500 منصب. ويهدف البرنامج إلى تكوين الأئمة باعتماد سياسة’’جزأرة’’ المناهج بإدراج تدريس مادة التاريخ والقيم الثقافية الجزائرية لتلقينها للأئمة، ومنهم للمواطن الجزائري لمحاربة كل الأفكار الدخيلة على المجتمع الجزائري.
أما في تونس، فالوضع مختلف نسبيا، نظرا لحالة الفوضى التي عرفتها المساجد بعد الثورة، والتي استغلتها التنظيمات المتطرفة لفرض وصايتها وهيمنتها على كثير من المساجد لدرجة نصّبت أئمة منها وطردت الأئمة الرسميين، ما اضطر الوزارة الوصية إلى إصدار بلاغ في 6 مارس الماضي، يشدد على أن "تعيين الإطارات الدينية بالمساجد والجوامع يتم بتكليف من وزارة الشؤون الدينية"، وأنه "لا يحق لأي طرف، سوى الوزارة، التدخل في هذا الشأن بالعزل أو التنصيب أو التغيير بأي شكل من الأشكال وتحت أي ظرف من الظروف".
لكن ما ينبغي تأكيده هو أن مواجهة التطرف لم تعد مهمة الأئمة وحدهم، بل غدت مسؤولية المجتمع بكل مكوناته: السياسية، والثقافية، والإعلامية، والدينية والمدنية. فمنابع التطرف لم تعد محصورة في المساجد والكتب، بل أصبحت شبكة الإنترنت المصدر الرئيسي لفقه التطرف، إذ لا يمكن مراقبته أو التحكم فيه إلا بتضافر جهود الدول خاصة التي تؤوي المواقع المتطرفة والإرهابية. فقد أقر وزير الداخلية الإسباني، خوخي فيرنانديز، بخطورة هذه المواقع كالتالي: "إن المواقع الإلكترونية والمنتديات على شبكة الإنترنت جزء هام جدًا في جذب تنظيم القاعدة بإسبانيا "لإرهابيين" وتدريبهم عبر هذه الشبكات دون التعرض لأي مخاطر". وظهور الإرهاب الفردي أو ما يسمى "الذئاب المنفردة" دليل قوي على خطورة الإنترنت في تجنيد الإرهابيين وتدريبهم على تنفيذ الأعمال الإرهابية، اعتبارا لما باتت تتوفر عليه المجموعات المسلحة التي تشكل فرع القاعدة بالمغرب الإسلامي أو المنشقة عنه من خبرات قتالية ودراية دقيقة بتضاريس منطقة شاسعة تفوق مساحتها ثمانية ملايين كيلومتر مربع، فضلا عن أسلحة متطورة حصلت عليها من مخازن وميليشيات القذافي، والتي كان لها تأثير مباشر على حسم الصراع في شمال مالي لصالح التحالف الذي ضم الحركات الأزوادية وفرع القاعدة؛ تضاف إلى هذا الأموال المتحصلة من خطف الرهائن والتي تجاوزت مائتي مليون دولار في بضع سنوات ناهيك عما يجنيه الإرهابيون من إتاوات مفروضة على تجار المخدرات؛ كل هذا يجعل خطر الإرهاب يزداد، خصوصا بعد الإعلان عن قيام دويلة في شمال مالي، والتي ستكون إمارة خاضعة لسيطرة الإرهابيين.
أمام هذا الخطر المتعاظم للإرهاب، بات من الواجب على الدولة أن تؤهل الأجهزة الأمنية المختصة في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة وتعبئ جهودها الدبلوماسية لتشكيل تحالف دولي إقليمي فعــال، وبدعـم غربي مباشر، من أجل القضاء على التنظيمات الإرهابية في منطقة الساحل والصحراء، والتي باتت تتوفر على إمكانات عسكرية لا تمتلكها جيوش بعض دول المنطقة، الأمر الذي يشكل تهديدا للأمن الإقليمي والدولي.
بقلم : سعيد الكحل, أستاذ باحث