كحديثنا عن المجتمع الإسلامي والحل الإسلامي والسياسة الإسلامية والإجتماعي الإسلامي... نتحدث عن الثقافة الإسلامية والأدب الإسلامي والشعر الإسلامي وما تزخر به الثقافة من فنون وآداب وعن أصلها في الدين أو موقف الدين منها أو ما ينسجم ولا ينسجم مع الشريعة منها، لكن الباحثين على أوجه مختلفة في الباب فمن الغيور إلى المتطفل إلى الشاك إلى المشكك إلى الكائد بليل ونهار.
وهنا وجب أن نقف عند بعض النقاط حتى تتضح الرؤية أكثر وينجلي شيء من الغبار. ولنقف أولا مع المصطلح، فما هو الأدب الإسلامي؟
وقبل ذلك لنتوقف عند هذا الحديث النبوي الشريف الذي يقول فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم في الحديث الصحيح الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه وأخرجه الإمام مسلم:
ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء؟ ثم يقول أبو هريرة رضي الله عنه: اقرءوا إن شئتم: فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله الآية... الروم الآية 30
الإنسان انطلاقا من هذا الحديث النبوي الشريف مسلم بطبعه وهنا عبّر النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام بالفطرة، أما كون الإنسان يصير يهوديا او نصرانيا... فذلك إنما يكون بفعل خارجي وتأثير دخيل على النفس التي لو تـُركت لفطرتها لعرفت الحق ولبلغت مصدرها ومبعث نفختها كما تـُجسد ذلك رواية حي بن يقضان عند ابن سينا التي يؤكد فيها صاحبها على عدم تعارض العقل والدين وكيف يمكن للإنسان في معزل عن أخيه الإنسان أن يدرك الحقيقة، حقيقة الخلق و الإيجاد..
الأدب والفن واحد من هذه المخلوقات التي تبحث عن ذاتها، بمعنى آخر: الأدب و الفن ما كان على الفطرة و أمّا ما يشوبه من زيغ وانحراف إنما هو التنصير والتهوييد والتمجيس.
قد يخندق للأسف بعض الغيورين على الإسلام الأدبَ والفنونَ في ما يتعلق بالدين وتعاليمه وعقائده وتشريعاته فتصبح وكأنك أمام كتاب فقهي أو مرجع علمي لطلبة الشريعة والفكر الإسلامي وهذا وإن كان منطلقه الغيرة فهو أشد الظلم في حق ما يجب أن يكون عليه الأدب الإسلامي حقا.
ماذا يضر الأدب الإسلامي أن يصف الشاعر منظرا طبيعيا أو حركة وجودية أو علاقة إنسانية نبيلة... بل إن هذه الأهداف من صميم الدين الإسلامي الذي يحث على توطيد العلاقة بين الموجودات لتكون تِلـْكُمُ العلاقات الأفقية في خدمة العلاقة العمودية الأسمى. الإسلام من مبادئه العامة و من نفائس ما وصل إليه العقل المسلم السليم قاعدة الشاطبي رحمه الله التي تجمل الأمر في جملتين كافيتين إذ تقول القاعدة:
الأصل في الأشياء الإباحة إلا ما حرمه الشرع و الأصل في العبادات الحظر إلا ما أمر به الشرع.
فكل ما يتفق و إنسانية الإنسان و فطرته السليمة شرع و إن لم يرد فيه نص، فلا تتنظر مثلا أن يُفتى لك في فاكهة لم توجد على عهد النبوة أو طريقة ما في اللباس بعيدة عن العباءة و غيرها... فأنت إن تصفحت مثلا سيرة رسول الله صلى الله عليه و سلم من أولها إلى آخرها لم تجد ممن كان يكيد للإسلام و المسلمين أحدا يعيب على رسول الله صلى الله عليه و سلم و أصحابه طرائق لباسهم أو أكلهم أو مشط أشعرهم أو حتى لحاهم.. وذلك لسبب بسيط هو أن هذا الدين العظيم إنما استلهم عظمته من روحه و أسراره لا من مظاهره وفروعه.. وكذلكم إن جاز أن نقيس الأمر بالأمر فإن الأدب الإسلامي نعتبره ما كان قبل الرسالة المحمدية و بعدها و ما كان تحت ظل شمسها أو خارجه ما دام ذلك في خدمة هذ الإنسان ونبيل مقاصده، فقد نسمي فنا يونانيا إسلاميا و قد نسمي شعرا انجليزيا إسلاميا إذا تناغم و الفطرة البشرية، وبالمقابل قد ننزع صفة الإسلامية عن شعر قد يسميه البعض صوفيا إذا تجاوز الحد و عبث بالمُسَلــَّماَت، ولنتذكر هنا شهادة الرسول صلى الله عليه و سلم في عنترة بن شداد الذي عاش خارج الخريطة الإسلامية بمفهومها المحدود فقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أنشد بيتاً من شعره:
ولقد أبيت على الطوى وأظله
حتى أنال به كريم المأكـل
فقال صلى الله عليه وسلم: ما وُصف لي أعرابيٌّ قط فأحببت أن أراه إلا عنترة وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول فيما رواه عنه أبو هريرة رضي الله عنه أصدق كلمة قالها الشاعر كلمة لبيد:
ألا كل شيء ما خلا الله باطل
وقد قال لبيد بن ربيعة هذا الشطر من قصيدته قبل إسلامه فكان أصدق شعر من زمن غير زمن الصدق المطلق زمن الصحبة مع أصدق الصادقين الأمين صلى الله عليه و على آله و أصحابه أجمعين.
الأدب الإسلامي يكون بهذه الصورة أوسع و أعم أما وإن اختزلناه فيما يرتبط بعقائد الدين و شرائعه فسنجد انفسنا حينها نتحدث عن آداب و فنون تتصارع حول الإسلامية، فما تسميه أنت فنا إسلاميا قد يعتبره ظلالا وفسقا من كان على غير مذهبك وأخطأته الحكمة في فصل الخطاب، حينئذ وجب أن نتحدث عن الأدب الإسلامي السني و عن نظيره الشيعي و عن الأشعري و المعتزلي و الشافعي و الحنبلي.... لكنك إن أطلقت العنان للإبداع و تركت له المجال للغوص في فطرته لن تقف إلا على نهاية يقضانية أيقضها الإيمان المكنون في الصدور و العهد الأزلي بين المخلوق و خالقه تعالى قال سبحانه عز وجل:
— وَإِذْ أَخَذ َ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ. أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ. وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ — الأعراف 7
خلاصة القول أن الآداب و الفنون أبناء شرعيون للفطرة التي أراد بها الحديث النبوي دين الله الإسلام – إن الدين عند الله الإسلام – وتبقى تصرفات و تحولات الإبداع من تختار لنفسها الجنسية و الانتماء ويبقى الكون بعرضه وطوله مادة الأديب و الفنان يغوص فيه ببوصلة الفطرة المحددة للوجهة و المسار.