الكاتب: بروفيسور عبد الستار قاسم
لفت نظري مقال كتبه شخص معترف بالكيان الصهيوني يخوّن شخصا مطبعا مع الكيان. يقول هذا المعترف إن هذا المطبع خائن وهو يسمسر على الوطن ويستهتر بالحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني، وذلك من أجل تحقيق مصالحه المالية. الهجوم على المطبع شديد، ولا أعلم كيف سيكون رده إن ملك جرأة على الرد حيث أنه يدرك أن المعترف مدعوم وظهره قوي بأصحاب الملك الذين يعترفون بالكيان.
لا شك أن المطبع خائن، لكن خيانته لا ترتقي إلى خيانة المعترف. المطبع خائن لأنه يعترف بالكيان الصهيوني عمليا، ويمهد الطريق نفسيا وعمليا للاعتراف بها قانونيا، ولأهل فلسطين لكي يسيروا على دربه، فتصبح الأجواء مناسبة للقبول بالكيان الصهيوني دون أن يحصل الشعب الفلسطيني على أي جزء من حقوقه الوطنية الثابتة. أما المعترف بإسرائيل فخائن أكبر لأنه يعترف بالكيان قانونيا، وبذلك يكون قد تنازل عن حوالي 78% من مساحة فلسطين الانتدابية، وتنازل عن حق اللاجئين في العودة لأن مجرد الاعتراف بالكيان الصهيوني يعني أن هذا الكيان هو صاحب سيادة وهو الذي يقرر من يدخل إلى المنطقة التي تشكل دولته ومن لا يدخل. وبما أن الكيان يرفض حق العودة ويصر على الاعتراف بيهودية دولته، فإن حق اللاجئين قد تم إلغاؤه عمليا وقانونيا من قبل المعتر ف بالكيان الصهيوني.
المعترف بالكيان الصهيوني مطبع أيضا لأن الاعتراف يعني إقامة علاقات اعتيادية معه من مختلف النواحي السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية والسياحية والعلمية والثقافية، الخ. وربما يطبع أيضا مع مواخير نتانيا وتل أبيب. والمعترف بالكيان لا يتوقف عند التطبيع، بل هو يقف حارسا على بوابات مملكة إسرائيل، ويدافع عن أمن الكيان، ويعتقل فلسطينيين دفاعا عن الأمن الصهيوني.
فإذا كان المطبع خائنا خيانة صغرى، فإن المعترف خائن خيانة كبرى، وإذا كان المطبع مصاب بالنجاسة الصغرى، فإن المعترف مصاب بالنجاسة الكبرى، وإذا كان المطبع بحاجة إلى مياه البحر الأبيض المتوسط لتطهره، فإن المعترف بحاجة إلى مياه المحيط الأطلسي، والطهر مشكوك فيه.
من السهل جدا على الساحة الفلسطينية أن تسمع من صفق لاتفاقية أوسلو يخطب ملهبا مشاعر الجماهير وهو يدافع عن حق العودة. هو كاذب، لكن هناك من الناس من يصفق له ويظن أنه جاد فيما يقول. أو أن ترى الذي يعتقل الفلسطينيين دفاعا عن الأمن الإسرائيلي يدافع عن المعتقلين الفلسطينيين لدى الكيان الصهيوني. إنه يعتقل الفلسطيني ويسومه سوء العذاب ثم يصف المعتقلين الفلسطينيين في المعتقلات الصهيونية بالأبطال الذين ضحوا دفاعا عن الوطن. وتجد من يتهم الناس بالخيانة في ذات الوقت الذي يستمر فيه برفع التقارير الأمنية وغير الأمنية للصهاينة، أو تجده يحمل بطاقة مرور خاصة من قبل الاحتلال.
ومن السهل أيضا أن تجد من يقول اليوم إن السيد محمود عباس قد انتهت مدته كرئيس ولم تعد له شرعية، وتجده في اليوم التالي يناشد الأخ الرئيس بالعمل على الإفراج عن الأسرى لدى إسرائيل. وأن تجد من يقول إن اتفاق أوسلو حرام شرعا، وهو خيانة للشعب والوطن، وتجده في ذات اليوم يتبادل القبل والابتسامات مع أصحاب أوسلو. وترى من يوزع بيانا ضد المفاوضات ويعتبرها خيانة عظمى، لكنه يطلب من السلطة الفلسطينية صرف أجرة مكتبه أو تحسين نوعية سيارته. ومن الشائع أن تجد من يصف فلانا بالفساد والعهر لكنه يصر على انتخابه فيما إذا حصلت انتخابات. وأن تجد من يسهب في وصف خيانة فلان وتعامله مع الصهاينة ويدعوه إلى طعام الغداء في اليوم التالي. والأمثلة كثيرة على النجاستين الكبرى والصغرى.
يتطلب تحرير فلسطين وضوح رؤية، ومستوى أخلاقيا رفيعا وراقيا، ويتفوق على المستويات الأخلاقية للمعتدين والمستعمرين والمحتلين والمتعاونين. الإنسان يرتقي عندما ينسجم مع نفسه، وتنعكس أقواله في أفعاله. أما هذا الذي يتخبط دون أن يدري ما يقول، ولا يتفكر فيما يقول أو يصنع، فلن يأتي على فلسطين إلا بالمزيد من الأحزان والويلات.
نحن سنهزم الكيان الصهيوني بالتأكيد، لكن هذا المؤكد ينتظر تخلصنا من النجاستين، وتفوقنا في مستوى الأداء الأخلاقي، والذي سيمكننا من التفوق في مختلف مجالات الحياة.