ذ.عبد الحق محمد الحبيب إكوديان
سأصوت بنعم مع التحية
دأب البعض على العيش وسط زنزانة الصراع لايغادرها حتى أضحت قبوا وكانوا كرهين المحبسين فقيامهم وسقوطهم رهين بغياب الصراع لأنه سبب نشأتهم لذا فالسلم مقبرتهم وهم كنوع خاص من النساء لايرتحن لحالة السلم مع الزوج فلابد لهن من معارك لتبدأ جولة الخصام والصلح والتعاتب. ومنطق الصراع قامت عليه المدنية الغربية في نظرتها لغيرها ونظرية صدام الحضارات لصمؤيل هنتجنتون ونهاية التاريخ شاهدتان على هذا التوجه وكذا مبادئ فسلفة المطرقة والمنجل لحبرها كارل ماركس حيث يصبح الصراع كليا وهو خلاف الرؤية الإسلامية كما يوضحها محمد قطب{ وحكمة الخالق العليا قد اقتضت التوفيق بين المخلوقات وضروراتها، فجعلت بذرة الصراع موجودة في داخل الكيان النفسي ما دامت ضرورية لواقع الحياة. والفكرة الإسلامية تقر الصراع على هذا النحو: على أساس أنه ضرورة لازمة لمنع الفساد عن الأرض، ولإيجاد التوازن في الحياة البشرية. وأنه _لهذا السبب _ موجود في بنية النفس الإنسانية. ولكن الفكرة الإسلامية فكرة متوازنة، لا تشتط ولا تتطرف إلى أقصى اليسار أو أقصى اليمين. فبينما تقوم الحضارة الغربية اليوم على الصراع الخالص: صراع بين الأفراد لا تحكمه إلا الضرورة، وصراع بين الأمم لا تحكمه إلا غلبة السلاح.
وبينما تقوم الشيوعية على فكرة أن الصراع ذاته ينشىء الاضطراب في المجتمع، فلابد من القضاء عليه لكي يستريح المجتمع ويستقر إلى الأبد (وإن كانت في الواقع في حاجة إلى صراع دائم للقضاء على نوازع الصراع؟!..
فإن الإسلام لا يعتبر الصراع هدفا في ذاته، ولا يقر كذلك أنه هو بذاته الذي ينشى القلق والاضطراب في حياة البشرية. الإسلام يفهم الصراع على أنه وسيلة للتوفيق بين المتناقضات، ووسيلة بعد ذلك لرفع الكائن البشري عن عالم الضرورة، وعن وهدة الشر، إلى حيث يستطيع أن يحلق _سوياً متوازناً _ في عالم النور.
وهو لهذا يوازن عنصر الصراع في داخل النفس}
وعليه فحسب الدكتور عبدالله علي العليان فالأخطر في أطروحة هنتنجتون كما نعتقد هي تلك الرؤية الأحادية للاختلاف، حيث يرى أن الاختلاف الثقافي دليل الانقسام والتصارع وهذه للأسف نظرة شمولية يفترض أن لا تقال من الغرب الديمقراطي العقلاني، بحكم أن طرحه الذي يرفعه يؤكد أهمية التعددية والاختلاف والتنوع بين الحضارات الإنسانية ، وإذا ما نظرنا نظرة فاحصة إلى تاريخ الحضارات ونشأتها وجدنا أن التعدد والاختلاف سمة عامة في أغلب الحضارات الإنسانية عدا محطات قليلة في فترات الانحطاط والتراجع .
مناسبة الحديث هو الإنحراف الذي أصاب مسيرة المتظاهرين بالمغرب المطالبين بالإصلاحات والذين بدأت مسيرتهم هادئة ولقيت تعاطفا منظورا من كثير من المتتبعين وحتى التيارات السياسية الرسمية وتجاوب مع بعض مطالبها ملك المغرب في رحابة صدر مشهودة. ووجه الإنحراف الذي اعتورها يتجلى في نقاط نذكرها عدا لاحصرا:
- ركوب بعض التوجهات السياسية التي تحمل عداء أبديا لنظام الحكم بالمغرب ولايمكنني أن أعيب على تيار أن ينخرط في تيار طالب للإصلاح فهو مطلب شرعي لاغبار عليه. غير أن الفارق شاسع بين شباب تحركه عواطف جياشة وتأثر منفعل بأحداث تونس ومصر وليبيا واليمن ورأى أن استنساخ التجارب ممكن ويعذرون لغياب النضج السياسي لدى قياداتهم الشابة وعدم إدراكها لطبيعة المغرب وكونه استثناء جغرافيا وتاريخيا وهو ما سنشرحه لاحقا. تلك التيارات جمع بينها زواج متعة حيث بعد الدماء التي سالت على إسفلت جامعات فاس ووجدة ومراكش وغيرها بين كتائب العقيد كارل ماركس وتلامذته في منظمة إلى الأمام وبين فيالق جماعة إسلامية تستمد منهج تحركها من البناء الشيعي التنظيمي وتصورها التربوي من الزاوية وحيث لا يوجد انتخابات ولا مناقشة للشيخ وهو أمر محرم ولايقبل النقض والإبرام فإنك تعجب من هذا الزواج الباطل. ومما يؤسف له أن تتسرب إلى العمل الإسلامي ثقافة النفعية والذهنية التبريرية التي تبيح للتابع أن يقع في المحظورات وهو يضمن صك المغفرة من شيوخه.فتحولت مسيرة الشباب إلى قاطرة ركبها من أرادوا تحريك الأسلحة التي صدأت ونالها من الرؤى والأحلام أذى كثيرا وشعر أتباع كاسترو أنها طوق نجاة ليحيوا ويعيدوا تأثيث المشهد بمنهجهم العدمي والفوضوي الرافض لثوابت الأمة إسلاما ووحدة وملكية.
- تغير المطالب من الدعوة لمحاربة الفساد و تسريع الأصلاح إلى شعرات حزبية تعادي نظام الحكم في تقليد فج لماحدث في بلدان أخرى وهو ما اساء لتلك الحركة ونزع عنها طابعها البريء.
-بروز شعارات تخالف الهوية الإسلامية وتخاصم تاريخ البلد وتسعى لتصفية الحسابات مع مخالفيها.
- سياسة الإقصاء والتخوين وكيل التهم لمخالفيهم واستحمار أغلبية الشعب.
- فحين عجزوا عن تجييش الشعب للدخول في مواجهة مع اختيارهم التاريخي وهو الملكية أصبح كل من يدافع عن الملكية وثوابت الأمة مخزنيا وهذا يؤشر إلى انحراف لدى تلك الفئة من الناس فإن كنت ترى أن رسالتك هي محاربة الإستبداد كما تزعم فالأولى أن تبدأ بنفسك وتتخلص منها في طريقة بناء التنظيم ماركسيا كان أم متدثرا بالإسلام. وأن يتسع الصدر للمخالف وأن تقبل بوجوده فأغلب الشعب اختار السير وراء قيادته وأبى مجاراة تلك الحركة ولذا وجب احترامه بدل وصفهم بالعبيد والقطعان وعقلية القطيع وحسب علمي فتلك التنظيمات لاتستطيع ان تنبس ببنت شفة أمام شيوخها وترى ملك البلد يعفو عمن خالفوه فأساؤوا طريقة الخلاف وسمح لمن شاء أن يعبر عن رفضه للدستور ان يقولها علنا بوسائل إعلام الدولة وهو سلوك حضاري راق تمنيت يوما أن أرى أولائك المخالفين يذكرون حسنات الدولة وهو أمر محزن حقا فتشرب ثقافة الصراع وتسويد المخالف هو منج يخالف الإنصاف القرآني { {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} (8) سورة المائدة.
لقد عشت زمن الوزير الطاغية إدريس البصري ومارست حريتي في النقد وغلبتني الحماسة وقلت في شبابي ما قلته آنذاك معارضا وقد بينت الأيام خطأ كثير من تلك الإندفاعات وخاصة في ظل تنظيمات تحسن توظيفها لحاجة في نفوس يعاقبتها سيقضونها. وقابلت طلبة إسلاميين وماركسيين تخصصهم تفجير حلقات النقاش وقمع المخالف ووصمه بالعمالة والخيانة والكفر وقائمة الشتائم لا تنتهي وعشنا الإرهاب النفسي والبدني وهو الداء الوبيل الذي يصيب المظلوم حيث يتشرب ثقافة المستبد ويمارسها وهو ضعيف فماذا تنتظر ممن قمع خصومه بالجامعة حين يتولى الحكم سيكون اول مشاريعه توسيع السجون وصقل المقاصل وتقوية حبال المشانق.
سأقول نعم للدستور المغربي فهو اجتهاد بشري وليس قرآنا منزلا غير أنه نتاج حوارات احترمت فيها إرادة الناس وبقيت لهوية الأمة الكلمة العليا فيه والإصلاح درب يحتاج صبرا ومواظبة والدستور أتى تتمة لإصلاح بدأ قبل عشر سنوات .إن العجلة في الطلب تهدد البلدان المتنوعة عرقيا بالبلقنة والشاهد عليه ما يحدث في بعض الدول التي لم تسر بخطوات ثابتة فوجدت نفسها تصارع من أجل البقاء ويحن بعضها لطغاتها السابقين. وحيث انه لامقارنة بين تلك والمغرب فوجب أن نقدر من سيصوت بنعم ولانتهمه بالعبودية والمخزنية وأن يمارس الرافضون للتعديلات حقهم في الرفض سلميا وأن يقاطع من يشاء دون أن يكره على نقيضه ذلك هو مجتمع الحرية الذي ننشد يتعايش فيه الجميع وتحترم فيه الإختيارات السياسية دونما استئصال أو إقصاء.لم أشأ الخوض في تفاصيل التعديلات فبعضها قد لايروق وأكثرها كان جديدا والتفاصيل تحتاج مقالا اوسع أوسعه المحللون شرحا وتقلوها تفصيلا ولله الأمر من قبل ومن بعد.
فنصيحتي للرافضين والمقاطعين ألا ينتجوا استبدادا بلون معارض .من أجل ذلك كله سأصوت بنعم لأجل مستقبل بلدي وأمنه وهو موقف لايأتي خوفا ولا رغبا مصدره إيمان بوطننا الحبيب إسلاما وترابا وملكا نقدره ونحترمه.في بلد متماسك قوي من الجزر الجعفرية إلى نهر السينغال.
لاتنسوا أقدامنا في الأرض وقلوبنا في السماء وشرف الكلمة قبل حريتها.
لاهاي .. هولندا.