|
|
|
|
|
أضيف في 09 ماي 2012 الساعة 17 : 21
العدالة و التنمية المغربي ، بداية موفقة .. لكن ! !
1 شهدت المملكة المغربية – طيلة عام 2011 حراكا شعبيا قل نظيره منذ الحصول على الاستقلال ، انطلق من تونس الخضراء لينتشر كالنار في الهشيم في "أهم " الدول العربية ، و يسقط "زعماء" أشاوس عاثوا في الأرض فسادا و أشبعوا البلاد و العباد جورا و استبدادا ، و حولوا الأوطان ضيعات خاصة يمارسون فيها شتى أشكال "مواهب" التدليس و التغول في حياة الأفراد و الجماعات المادية و الروحية ! و خرج خيرة الشباب العربي المتعلم مكسرا جدارالرعب و صادحا برفضه المطلق للواقع المهترئ و مطالبا بالتغيير و الإصلاح العميقين .. للانعتاق من جحيم الحكامة السياسية المعطوبة ، و معانقة نسائم الحرية و الكرامة و العدالة . و لئن كانت بعض الأنظمة العربية قد تعاطت و ما زالت مع مطالب الشعوب المشروعة بالقبضة الحديدية و الاستهداف الدموي.. فإن المملكة المغربية نهجت مسلكا استثنائيا حظي بتقدير الأطراف الدولية و الداخلية ، حيث تمت الاستجابة الحصيفة لصوت الشعب ممثلا في حركة 20 فبراير الهادرة ، عبر إجراءات سياسية نوعية ، على رأسها تغيير الدستور و إجراء الانتخابات التشريعية و تكوين حكومة جديدة برئاسة الحزب الإسلامي المعتدل "العدالة و التنمية" ، مما ساهم في إحياء النقاش السياسي و إثارة مختلف الملفات ذات الأولوية بالنسبة للمواطنين المغاربة الذين طالما عانوا من مخالب الجبروت ، خاصة و انه لأول مرة في تاريخ المغرب القديم و الحديث ! يختار الشعب حكومته في ظل انتخابات برلمانية حرة و ذات مصداقية دوليا و وطنيا. و هكذا و بعد مضي أكثر من ثلاثة أشهر من عمر الحكومة المغربية الائتلافية ، يحق لنا أن نرصد أهم المعطيات و النتائج الجزئية و الأولية ، منطلقين من التساؤلات المحورية الآتية : إلى أي حد يمكن القول بأن الحكومة الجديدة قد تمكنت من رسم ورقة طريق مختلفة و مثمرة مقارنة مع المسلكيات السياسية للحكومات السابقة ؟ و ما هي العراقيل و الصعوبات التي واجهتها و هي تسعى إلى أجرأة البرنامج الحكومي و تنزيل مضامين الدستور المعدل ؟ و ما العمل من أجل تجاوز حملات التشكيك و التسفيه الصادرة عن بعض "الهيآت" الحزبية التي لفظها الشعب المغربي ديمقراطيا ؟ 2 ننطلق للإجابة على هكذا أسئلة من منظور نقدي يتوخى الموضوعية و الحياد ، و ينأى عن أي تمترس أو تخندق وراء انتماءات سياسية ضيقة ، أو نزعات أيديولوجية متهالكة و اصطفافات "إعلاموية" نزقة . نعم إننا لا نلامس قضايا الفكر و السياسة ببراءة متوهمة ، و لا ندعى تجردنا من الخلفية الرؤيوية ، و المقاربة الخالية من أي جهاز مفاهيمي ، إننا ندافع و بشراسة لا تعرف الكلل عن العقلانية و الديمقراطية ، للمساهمة في علمنة الخطاب السياسي العربي و إنقاذه من شرنقة التعصب المذهبي البائد ، و النقد المجاني و توقيع شيكات على بياض لأية جهة ! لقد جاء تنصيب الحكومة المغربية الجديدة في سياق أزمة اقتصادية دولية خانقة ، و جفاف غير رحيم ينبئ بسنة فلاحيه صعبة ، و تراجع التحويلات المالية للجالية المغربية ، فضلا عن جيوب مقاومة الإصلاح و التغيير، و دهاقنة الفساد الذين يبذلون كل ما في وسعهم كي " يتغير كل شيء من أجل ألا يتغير أي شيء !" . فلماذا هذا الاهتمام غير المسبوق بالحكومة المغربية الحالية ؟ لعل السبب الأول يعود إلى المكون الحزبي الجوهري فيها ( العدالة و التنمية ) في ظل تراجع الهياكل الحزبية الكلاسيكية، و ترهل قادتها و خلافاتها البيزنطية التي أضحت مدعاة للشفقة و الرحمة ! لقد بدأت الممارسة السياسية الجديدة تتبلور عبر مجموعة من الإشارات الرمزية و لكنها بالغة الدلالة ، ترتبط أساسا بعنصر الحكامة و تخليق الحياة العامة و محاربة الفساد في إطار الالتزام بفحوى دستور المملكة الجديد . فقد استقبل المواطنون المغاربة بحفاوة ؛ مبادرة الكشف عن لوائح المستفيدين من بعض الامتيازات غير المشروعة في إطار ما يسمى باقتصاد الريع : " لوائح رخص النقل و الجرائد الوطنية التي تتلقى الدعم المالي في غياب ملحوظ لأجواء الشفافية ، و الجمعيات "المدنية " المستفيدة من "المساعدات " الأجنبية .. و تقديم دفتر التحملات الخاص بإصلاح المنظومة الإعلامية السمعية البصرية ، التي أسالت مدادا وفيرا ، و أفاقت مسؤولين إعلاميين "كبارا " بعد أن عهدنا فيهم صمت القبور ، ليتحولوا بقدرة قادر مدافعين عن استقلال وسائل الإعلام و حداثتها المزعومة، و الحال أنهم ملأوا الدنيا و شغلوا الناس حفاظا على مصالحهم المادية الجنونية و ما أعظمها ! صحيح إنه لحد كتابة هذه السطور لم تتخذ أي إجراءات ملموسة و عملية ، لوضع حد للتلاعب في مال الشعب و حمايته من اللوبيات و المقامرين بمستقبل الوطن ، لكن الأمر يتطلب تضامنا جماعيا و مساندة شاملة و إستراتيجية طويلة النفس لأن خصوم التغيير و مناوئي الإصلاح لن يستسلموا بيسر ! 3 لكن في المقابل على الإخوة في العدالة و التنمية أن يدركوا أن تسيير الشأن العام يختلف جذريا عن المعارضة البرلمانية المريحة. إن أهم ما يتوجب على الحكومة الجديدة هو التنسيق الجماعي في مختلف القطاعات و الاستماع إلى كل الأطراف المعنية بالسهر على أجرأة البرنامج الحكومي ، و أن يتم الفصل المنهجي بين الانتماء الحزبي المشروع ، و بين الأداء الحكومي المسؤول ، و تجنب الاندفاع و التسرع في التعاطي مع الملفات الوطنية المصيرية ، حتى لا تمنح للخصوم هدايا مجانية ! كما يتوجب على أعضاء الحكومة التركيز على ما يجمع المغاربة أكثر مما يفرقهم : البحث عن الاستثمارات الوطنية و الأجنبية ، و خلق فرص الشغل و الانكباب على انتظارات الشعب المادية ، من قبيل إصلاحات نوعية في ميادين التعليم و السكن و الصحة و العالم القروي و السياحة و الإعلام .. فالمواطن في أي بقعة من العالم ينتظر تحسين أوضاعه المادية و مصالحه الملموسة ، دون أن يعني ذلك أننا نقلل من شأن المعطى الروحي و المعنوي . و لعل أفضل وسيلة لضمان النجاح التنموي هي العمل بخطى ثابتة من أجل بلورة قراءة ديمقراطية للدستور و تنزيله عبر استلهام قدر من الذكاء السياسي ، و الصياغة المتوازنة بين القيم الحضارية و الاجتماعية المخصوصة و المواثيق و القوانين الكونية المتعارف عليها عالميا . و من تحصيل الحاصل الإشارة إلى أن الدستور المعدل رسم ميثاقا وطنيا و جماعيا تم التنصيص فيه على أن المملكة المغربية تواصل بعزم مسيرة توطيد و تقوية مؤسسات دولة حديثة ، من مرتكزاتها : المشاركة و التعددية و الحكامة الجيدة ، و إقامة مجتمع متضامن يوفرالأمن و الحرية و الكرامة و المساواة و تكافؤ الفرص و العيش الكريم .. إن نجاح هذه الحكومة الوطنية هو نجاح للتجربة المغربية الاستثنائية ، و لن يتحقق ذلك إلا في ظل التلازم التفاعلي بين ثوابت الأمة : الإسلام المعتدل و الوحدة الترابية و الملكية الديمقراطية ، و بين مستلزمات الحداثة الخلاقة و العصرنة البناءة ، أملا في اجتراح واقع سياسي آخر يتماشى و منطق القرن الواحد و العشرين فهل أنتم فاعلون ؟ ! الأستاذ : الصادق بنعلال – باحث في قضايا الفكر و السياسة Sadik.benallal@live .fr
|
|
2747 |
|
0 |
|
|
|
هام جداً قبل أن تكتبو تعليقاتكم
اضغط هنـا للكتابة بالعربية
|
|
|
|
|
|
|
|