أضيف في 08 ماي 2012 الساعة 58 : 07
د. أحسين فاطمة أثيرت ضجة إعلامية كبيرة حول تلك الصورة للبرلمانية نبيلة بنعمر والتي تُظْهِر جانبا من فخذها، حيث حقق المصور سبقا صحفيا كبيرا وأطلعنا على شكل فخذ البرلمانية ما دمنا أننا انتهينا من الإطلاع على جميع القضايا السياسية والاجتماعية، و أصبحنا نبحث عن المعلومة في الخصوصية الأنثوية لإثارة المُشاهد! وعوض أن ينهك المصور طاقته الفكرية في تهيئ مجموعة من الأسئلة لطرحها على البرلمانية ومحاورة عقلها, حتى يقدم لنا تصوراتها حول عدة ملفات ويبرز الفكر النسوي البرلماني، فهو اختار محاورة خصوصية جسد المرأة عبر محاورة الأفخاذ! و جعلنا نحن المشاهدين نصاب بالذهول و نتساءل عن غاية نشر هذه الصورة وما الغرض منها! ما دام أن التلصص على الخصوصية الأنثوية تعد حالة مرضية تعاني من ويلاتها المرأة المغربية في صمت.
وإذ تعد ظاهرة انتهاك الخصوصية الأنثوية من بين الظواهر السلبية التي تعاني منها جميع المجتمعات، خصوصا تلك التي لا زالت تنظر للمرأة من زاوية تضاريس جسمها مغلقة أعينها عن النظر من تلك الزاوية العظيمة : حيث المرأة تظهر فيها بصفة بشر التي تتميز بالعقل شأنها شأن الرجل، و إذ تُلصق تلك العقليات المريضة جواز اختراق الخصوصية الأنثوية بنوعية لباس المرأة لعجزها عن إيجاد عذر منطقي أو شرعي لتلك التصرفات المهينة و المنحطة لقيمة المرأة الإنسانة. وبما أننا نتكلم عن واقع مجتمعنا الذي قيد المرأة بما هو هامشي ليجعلها تتخبط في معانات يومية مع هذه القيود التي تحد من عطائها للحياة البشرية بل وقد تكون السبب في الإجهاز على مستقبلها و اغتيال الفكر الإنساني باسم "قيود الخصوصية الأنثوية"
*فكم من فتاة في البادية حرمت من متابعة دراستها رغم تحصيلها على درجات عالية في التعليم، خوفا من تربص الشباب الذكور بخصوصيتها الأنثوية؟
*وكم من فتاة في المدن أرغمت على ترك كرسي الدراسة لكون صدرها من النوع الممتلئ، حتى تنتهي معاناتها مع انتهاك الخصوصية الأنثوية في الذهاب والرجوع وحتى داخل أسوار المدرسة؟
*وكم من أستاذة أو طبيبة أو ممرضة أرغمت على ترك مسارها المهني في منطقة نائية بعدما مورس عليها الترهيب النفسي باسم الخصوصية الأنثوية؟
*وكم من أستاذة رغم لباسها المحترم، عاينت تركيز التلميذ أو الطالب الشاب على جسدها عوض التركيز على الدرس؟
*وكم من مشهد مر في حياتنا ونحن نرى أعين بعض الرجال سواء في الشارع أو جالسين في تلك المقاهي الشعبية، تتلصص على مؤخرة المرأة وهي مارة في الشارع حتى ولو كانت قد اتخذت من اللباس الشرعي لباسا لها!
وبما أنني تطرقت إلى "الشرع" ، فلا بأس أن أشير إلى أن الإسلام لم يخاطب المرأة بلغة الجسد إلا علميا أي ما يخص وظائفه البيولوجية شأنها شأن الرجل، و أن الإسلام خاطبها بلغة العقل. وخاطب الجميع بغض البصر، وإذ يثيرني دائما ذلك المشهد المستفز الذي لا تخلو منه أية مدينة مغربية: مشهد تبول بعض الرجال في الشارع العام وهم في سن النضج، متبرجين تبرج الجاهلية، ولكن لأنني أنثى فعلي أن أغض البصر وألتزم عوضا عنه بالحياء والحشمة بل ولا أستطيع حتى أن أعبر عن امتعاضي للتبول في الشارع العام حتى لا تُغْتَصَبْ أنوثتي بعدما خُدِّش حيائي, واغْتِصِبَتْ بيئتي برائحة البول التي تسيء إلى نظافة شوارعنا!
الأكيد أننا لن ننتهي من إحصاء نماذج التلصص على الخصوصية الأنثوية بما أنها متعلقة بوجود كائنات مرضية كرست قيمة المرأة في شكل تضاريس جسدها، ولا عجب إن قامت بعض النساء في العالم الغربي بالكشف عن كامل جسدهن في لوحة طبيعية جد مؤلمة, تعبرن فيها عن سخطهن ومعاناتهن اليومية مع الطبيعة الخِِلقية للمرأة مادام أن تجريد الإنسان من ملابسه يعد من مظاهر الانحطاط للكرامة الإنسانية سواء أكان رجلا أو امرأة! فهي صورة ليست للتعبير عن حرية التعري كما يدعي من يقف ضد تحرير نصفه الآخر وإنما تعبر عن "القهرة" و"الحكرة" للمرأة بسبب جسدها!
فإذا كان الإسلام قد حرم وأد الإنسان باسم الخصوصية الجنسية (الأنثوية) أي الطبيعة الخِلْقِيَّة، فإن التلصص على الخصوصية الأنثوية لا زال يحد من دور المرأة في المجتمع, قد يبدأ عند المرأة منذ سن العاشرة، فهو ذلك المحرار الرهيب الذي يعبر عن حرارة العقليات المريضة و الذي به تدرك الأم أن عليها أن تحترس على ابنتها، ليأتي دور تلك المصفاة اللعينة التي تغتصب طفولتنا في غفوة منا , لتصطفنا بجانب المرأة الناضجة, فقط لأن شيئا ما أصبح يتغير في جسدنا! فمن منا لم تتمنى في لحظة من حياتها لو لم تكن امرأة وكانت رجلا بسبب معاناتنا مع الخصوصية الأنثوية والتي تضاف إلى مشاكلنا اليومية وظروف حياتنا, لتزيدنا تأزما قد يصل إلى حد الانهيار العصبي!
و بما أننا أصبحنا نتكلم عن العدالة الاجتماعية، الحرية، التغيير و إسقاط الفساد فاسمحوا لي أن أطرح بعض التساؤلات على ذوي العقول النيرة:
* ما معنى العدالة الاجتماعية في مجتمع هو أول من يحط من قيمة الكفة الفكرية والإبداعية للأنثى لِيُشْهِرَ اختلال ميزانه الاجتماعي! *ما معنى الحرية إن لم نستطع تحرير العقليات! *ما معنى التغيير إن لم نستطع تغيير النظرة الدونية للمرأة! *ما معنى إسقاط الفساد إن لم نستطع إسقاط فساد العقليات المتعفنة
وختاما إن رقي المجتمع يكمن في رقي فكره وفي مجهوداته المبذولة للنهوض بالقيمة الإنسانية للبشر سواء أكان رجلا أو امرأة، وإن مفاتيح تحرير قيود المجتمع ليست دائما مخبأة لدى الحكومات، وإنما هي مخبأة داخل بعض العقليات المتحجرة من المجتمع حتى أضحت هذه القيود حاجزا تحد من ازدهاره الفكري والإبداعي و عبأ على الحكومات، وإن المجتمع الذي صنع أغلالا لنصفه الآخر لا ُينْتَظَرُ منه أن يصنع شعبا طيب الأعراق!
|