مرة أخرى، تضطر الخارجية الأمريكية إلى إصدار بلاغ تحذر فيه مواطنيها من مخاطر السفر إلى الجزائر.
طبعا، الخارجية الأمريكية لا تُصدر هذه التحذيرات انطلاقا من فراغ أو رغبة في الحد من تدفق السياح على الجزائر، التي لا يتدفق عليها السياح أصلا، ولا تشكل السياحة إلا موردا ضئيلا من عائداتها من العملة الصعبة، مقارنة مع المصدر الأساسي للثروة: النفط الذي تتحكم في منابعه كبريات الشركات الأمريكية .
الخارجية الأمريكية حين توجه هذا التحذير، فانطلاقا مما وقر لديها من معلومات تؤشر على غياب الأمن، وتفاحش الخطر الإرهابي الذي استشرى بفضل الموقف الملتبس لبلاد المليون شهيد من "الثورة" في ليبيا، حيث ظلت الجزائر ترفض الاعتراف بالنظام الجديد إلى آخر لحظة، وتغض الطرف عن كتائب القذافي، التي ظلت تتحرك حرة طليقة فوق أرضيها، وعن شبكات تهريب الأسلحة والمخدرات التي تنشط في الصحراء الجزائرية، وعن نشاطات انفصاليي"البوليساريو" في جنوبها الغربي، والتي أكد أكثر من تقرير استراتيجي أنه أصبح يشكل أكبر خطر إرهابي على الأمن والاستقرار في المنطقة.
الخارجية الأمريكية تعي جيدا وتعرف أن التهديد بتفجير سفارتها بالجزائر العاصمة، ليس مجرد مزحة، بل خطر قائم في أية لحظة، مادامت الخلايا الإرهابية لا تتوقف عن التكاثر، ومادام الإرهاب خلف في هذا البلد في العقود الثلاثة الماضية أزيد من 100 ألف قتيل.
الخارجية الأمريكية حين تدعو " المواطنين الأميريكيين الذين يسافرون إلى الجزائر إلى تقييم المخاطر التي تواجه سلامتهم الشخصية بعناية، بسبب التهديد "المستمر للإرهاب٬ والحواجز الوهمية٬ وعمليات الاختطاف والكمائن"، تعرف أن الجزائر لم تنخرط في أي مسلسل للإصلاح السياسي على غرار جيرانها، ولم تتقدم ولو خطوة واحدة في اتجاه إرضاء طموح شعبها في الديمقراطية، في عز الربيع العربي، وهو ما من شأنه أن يقوي اليأس في الجموع، ويعمق الشعور بالحكرة، ولا عجب بعد ذلك أن يجد صناع الإرهاب في النفوس التي أنهكها القمع والفقر، وأدمتها مخالب كماشة عسكر النظام الحاكم منْ يكون مستعدا لشن هجمات إرهابية اعتقادا منه أن ذلك يقوده إلى الجنة بالرغم من أن ما قام به مجرد انتحار مقنع.