|
|
|
|
|
أضيف في 05 ماي 2012 الساعة 45 : 20
الحركة النضالية المطلبية لأغلب فئات وشرائح الشعب المغربي من أجل الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية، التي انطلقت منذ عقود، لم تكن تهدف على المستوى التنموي سوى إلى موقعة العدالة الاجتماعية والبعد الإنساني في قلب السياسات العمومية، وعلى المستوى الديمقراطي إلى تحديد وعقلنة اختصاصات وصلاحيات مؤسسات الدولة، وعلى المستوى الحداثي إلى النهوض بثقافتي حقوق الإنسان والديمقراطية لتصبح سلوكا يوميا منتظما وفق منظومة قيمية إنسانية مواطنة. اليوم، وعلى بعد مسافة خمسة أشهر على فوز الإسلاميين بالانتخابات التشريعية بالمغرب، وحسب تتبعنا لمسار تشكيل حكومة الإسلاميين، وبعد الوقوف على الخطوات الأولى من ممارسة مهامهم من موقع السلطة التنفيذية وفق اختصاصات وصلاحيات الدستور الجديد، وبعد ابتعادهم عن الأسلوب التشاركي في التدبير والتسيير وبروز الطابع التحكمي في ممارسة هذه السلطة، يمكننا أن نتوقع بأن الإسلاميين سيشكلون ردة حقيقية على كل معاني ودلالات النضال من أجل الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية، وسيمثلون بذلك موجة جديدة من النفوذ السياسي في المغرب. خاصة وأن القوى المحسوبة على الصف الديمقراطي، والمعول عليها في إقامة نوع من التوازن السياسي في الساحة، هي اليوم أكثر ضعفا وتشتتا من أية فترة سياسية مضت، وأمر تقويتها ولَمِّ شتاتها لا يبدو بالأمر القريب أو اليسير، فبالأحرى أن تكون في مستوى القيام بمهامها في مواجهة هذا الطابع التحكمي المحكوم بفكر شمولي يبسط سيطرته اليوم على مؤسسات الدولة ومراكز القرار داخلها. فلا هي استشرفت الأفق السياسي برفع التحديات المرتبطة بالمساهمة في إعادة الاعتبار للعمل السياسي وتأهيل المشهد الحزبي والحد من ظاهرة العزوف السياسي (الانتخابي)، ولا هي واجهت بشكل جدي الآفات الخطيرة المتمثلة في استشراء الفساد بكل أنواعه وبروز مشاريع محافظة ومناهضة للمشروع المجتمعي، واستفحال سمات الانتهازية السياسية داخل الصف الديمقراطي ذاته. فحزب العدالة والتنمية المغربي يثبت اليوم أكثر من أي وقت مضى بأنه المكون السياسي المستعصي على الاندماج السلس في المشهد السياسي، خاصة مع بروز ميله واتجاهه نحو فرض تصوراته ومواقفه واقتراحاته على الفرقاء السياسيين الداعمين له في الحكومة والمعارضين له في البرلمان عبر التهديد المباشر بالنزول إلى الشارع وتفجير بؤر التوتر الاجتماعية والسياسية القائمة، وهو ما يدل على أن باقي القوى السياسية الأخرى لا حول لها ولا قوة على مستوى دعم وتمثيلية الفئات والشرائح الاجتماعية المقصية والمهمشة من عمليات التنمية والتحديث الجارية اليوم بالمغرب، وهو ما يطرح ضرورة التوجه الجدي نحو التفكير في توفير سبل التجدر الاجتماعي لقوى الدمقرطة والتحديث بالمغرب. والتجدر الاجتماعي المتحدث عنه لا يمكن حصوله بالخطاب السياسي فقط، بل ينبغي أن يستند إلى توجهات واختيارات سياسية مترجمة في شكل ممارسات وسلوكات سياسية متجهة نحو التطهير عبر محاربة الفساد والقطع مع ثقافة الريع ومحاربة المحسوبية، ونحو قطع الطريق على التطاول على المال العام واستغلال النفوذ والاستيلاء على أراضي الملك العمومي والتوظيفات المشبوهة ومراكمة الثروات بالطرق غير المشروعة، ونحو المساهمة في توفير شروط الاستقرار الاجتماعي عبر إصلاح الشأن العام المحلي والجهوي والوطني وإعادة الاعتبار للمواطنة والمواطن والتطهير المحلي للممارسة السياسية. إضافة إلى ذلك، لابد من إثارة انتباه القوى الديمقراطية إلى أن السيناريوهات المحتملة التي نستشرفها من خلال تطور دولة القانون والمؤسسات هي كلها تصب في اتجاه التأثير المباشر على قدرات القوى المحافظة الاستقطابية، وإضعاف كل مناحي الغلو والتطرف، وبالتالي الحد من تغلغل المنحى التحكمي الذي اتخذته أسلوبا للعمل حكومة الإسلاميين في هذا الظرف الوجيز من تمكنها من السلطة التنفيذية. وهو الأمر الذي يتطلب تقوية شروط حماية الحقوق والحريات وتعزيز مكانة وسمو القانون، وتقوية الرقابة القضائية على احترام الحقوق وتعزيز استقلال القضاء، واقتناع الجميع بأن قوة الدولة هي من قوة المؤسسات السياسية والدستورية وليس من إضعافها، ومنح مؤسسات الدولة عمليا وضعية تسمح لها بأن تلعب دورها كمؤسسات قوية.... غير أن هذا الرهان لابد وأن يكون مصحوبا بالعديد من المحاذير التي تلغم الساحة السياسية اليوم، وعلى رأسها الحذر من السقوط في فخ دعم وتقوية قوى الفساد والريع المستفيدة من السياسات العمومية المجحفة طيلة العقود السابقة أو التماهي معها فيما يمكن اتخاذه من خطوات سياسية في هذه المرحلة، والحرص على وضع المسافات اللازمة بين الاتجاه العام السائر في طريق تصحيح الأوضاع وبين بعض اللوبيات الضاغطة سواء من داخل أجهزة الدولة ذاتها أو من داخل بعض الأوساط الاقتصادية والإعلامية الضاغطة بشكل قوي في اتجاه التملص من قواعد القانون والتخوف على مصالحها غير المشروعة من النتائج الإيجابية المرتقبة للسياسات الإصلاحية. فالمرحلة تتطلب نوعا من التعبئة الجماعية لإنجاح ورش الإصلاح الديمقراطي وجعل المصالح العليا للوطن فوق كل اعتبار وتحمل المسؤولية في تنزيل مقتضيات الإصلاح الدستوري، وانخراط قوى الدمقرطة والتحديث في المشهد الحزبي عبر البناء السياسي والتنظيمي الذاتي والاشتغال على فضاءات تشكل روافد للحزب والتركيز على العمل الميداني والتفاعل مع مكونات المشهد الحزبي والمساهمة في مسار البناء الديمقراطي الوطني. كما تقتضي المرحلة تجاوز أعطاب التجربة الحزبية المتمثلة في غياب فضاءات حزبية حاضنة للعنصر البشري ومختلف تحركاته، وعجز على مستوى عقلنة عملية الانخراط الحزبي، وعدم قدرة الهياكل التنظيمية الحزبية على القيام بالمهام التنظيمية والسياسية، وضعف مردودية عمليات الاستقطاب الحزبي والتعبئة للمشاركة السياسية، وغياب المرافقة الحزبية للمنتخبين ومتابعة الأداء داخل المؤسسات المنتخبة، وغياب أي تعاقد بين القيادات والأعضاء والمنخرطين داخل الفضاءات الحزبية، وغياب التنشيط للحياة الحزبية؛ تأطيرا وتنظيما وسياسة، وغياب نسج العلاقات بين المكونات السياسية المتواجدة بالمحيط، وغياب العلاقات المؤسساتية المعقلنة بإطارات المجتمع المدني، وطغيان البعد المصلحي، وغياب التأطير والتوجيه التنظيمي والسياسي للعنصر البشري، وغياب المبادرة بخصوص إنشاء إطارات تمارس سياسة القرب من المواطنين... إن أهم ما يمكن للإسلاميين الاستناد إليه في استقطاب الرأي العام وجعله يميل إلى أسلوبهم هو انعدام التوازن الكبير الحاصل في الساحة السياسية اليوم جراء الضعف والشتات اللذان تعرفهما قوى الدمقرطة والتحديث من جهة، وفقدان الثقة في لوبيات الفساد المتخوفة والضاغطة من جهة أخرى.
|
|
2759 |
|
0 |
|
|
|
هام جداً قبل أن تكتبو تعليقاتكم
اضغط هنـا للكتابة بالعربية
|
|
|
|
|
|
|
|