تواصل التقنية الرقمية زحفها حتى إلى دور السينما، وليس وصول بعض شركات إنتاج شرائط الأفلام السينمائية التقليدية إلى مشارف الإفلاس إلا مؤشراً على ذلك، كما باتت وظيفة عارض الأفلام التقليدي في دور السينما أيضاً مهددا بالزوال.
بدأ إنتاج الأفلام السينمائية المتحركة قبل 125 عاما في شهر مايو/أيار عندما اخترع هانيبال جودوين الشريط السينمائي في الولايات المتحدة. أما اليوم فقد بدأت أشرطة الأفلام السينمائية التقليدية بالاندثار بعد أن أصبحت دور السينما تستخدم التكنولوجيا الرقمية ومنها دار العرض السينمائي الصغيرة سينينوفا Cinenovaفي مدينة كولونيا غرب ألمانيا.
في سينما سينينوفا الصغيرة نسبياً توجد ثلاث قاعات لعرض الأفلام، وبدأ في إحدى هذه القاعات عرض الأفلام رقمياً، وهذا يعني أن الصُّوَر المتحركة لم تعد تعرض فيها عبر شريط ذي عَرْض 35 مليمتراً ولكن عبر قرص رقمي ثابت يتم فيه حفظ صُوَر الفيلم المتحركة.
الأشرطة السينمائية التقليدية تتطلب الكثير من الجهد
المدير التقني للسينما أوليفَر هاوشكِه لا يشعر بالحزن على شرائط الأفلام القديمة، غير أن زميلته الشابة نيكول فيغنَر تشعر بالأسى بسبب شعورها باقتراب فراقها للتكنولوجيا القديمة. وها هو أوليفر يصف عمله عند العمل بأشرطة الأفلام القديمة ويقول: "لنرفع الستار، ولنطفئ الأضواء، ولنشغِّل جهاز الإسقاط". ويصدر ضجيج خفيف لدوران الفيلم السينمائي التقليدي، في غرفة التحكم يشبه ضجيج حيوان الخنفساء، كما يقول أوليفر: "هذا هو الصوت الذي نسمعه هنا أثناء عملنا اليومي بالتقنية القديمة. ومن خلال السماع نستطيع معرفة ما إذا كان يوجد عطل ما. لقد تعلمنا ذلك من خلال تجربتنا الطويلة في العمل. فإذا تغير صوت هذه الطقطقة نعرف بوجود خطأ ما".
ينظر أوليفر من نافذة غرفة التحكم الصغيرة إلى الشاشة السينمائية ويرى أنه يجب تحسين وضوح الصورة على الشاشة. ويبدأ عرض الفيلم السينمائي. عمل أوليفر لمدة 15 عاما عارضاً للأفلام في دار العرض السينمائي سينينوفا حيث يعرض كل يوم حوالي 14 فيلما، وكل فيلم يكون مسجَّلاً على شريط سينمائي ملفوف عرضه 35 ملم. ويرى أوليفر أن تحضير الأفلام للمشاهدة بهذه التقنية القديمة يتطلب الكثير من الجهد ويقول :"يبدأ الجهد الكبير عند توصيل نسخة من الفيلم إلى دور السينما، حيث تزن النسخة الواحدة للفيلم من 20 كيلوغراماً إلى 25 كيلوغراما. ويتم نقل الفيلم بواسطة شاحنة في صندوق من الورق المقوَّى. وفور وصول شريط الفيلم إلينا علينا فك الشريط الملفوف وهذا يستغرق ساعة كاملة. يتم بذل الكثير من الجهد لتحضير نسخة واحدة من الفيلم ليصبح جاهزاً للمشاهدة".
ولكن ذلك مختلف تماماً لدى التكنولوجيا الرقمية كما يقول أوليفر، الذي تسلَّم في مقر عمله مؤخرا جهاز إسقاط ضوئي يعرض الأفلام بطريقة رقمية. ويتم استخدام جهاز العرض الرقمي في إحدى القاعات الثلاث في دار السينما التي يعمل فيها. ويرى أوليفر أن العمل بالطريقة الرقمية أسهل من أشرطة الأفلام التقليدية. فالطريقة الرقمية لا تتطلب إلا ضغطة زر واحدة كي يبدأ العمل، ويقول بهذا الشأن: "الطريقة الرقمية رائعة فعلاً. زر التشغيل الرقمي هذا عظيم حقا. فبضغطة واحدة يشتغل جهاز الإسقاط الضوئي ويشتغل معه كل شيء أوتوماتيكياً. فيزاح الستار ويبدأ عرض الفيلم. كل يتم ذلك بشكل تلقائي. وبعد انتهاء عرض الفيلم تتم عملية معاكسة لكل ذلك بشكل تلقائي أيضاً".
هناك مَن يجد أشرطة الأفلام التقليدية رومانسية
لكن زميلة أوليفر واسمها نيكول فيغنر تعارض تقنية الأفلام الرقمية. نيكول تعمل مثل أوليفر عارضةً للأفلام وهي وشْك العمل كمخرجة سينمائية. وهي ترى أن رقمنة هذه التكنولوجيا تسيء إلى قطاع السينما وتقول: "أنا أحب استخدام الآلات القديمة. إذ أبدأ أولاً بتشغيل جهاز الإسقاط التقليدي وأتركه كي يحمي قليلاً ثم يضيء هذا المصباح ويتم بعد ذلك تعديل درجة وضوح الصورة. وهذه طريقة بالطبع رومانسية وجميلة".
سارت عملية اختبار جهاز العرض الرقمي في دار العرض السينمائي سينينوفا بسلاسة. وتم لأول مرة في دار السينما هذه عرض فيلم بواسطة الإسقاط الرقمي. أوليفر يشعر بالرضا وهو مقتنع بأن صور الأفلام الرقمية أوضح بكثير من صور الأشرطة التقليدية ذات العَرْض 35 ملليمتراً، وهو مقتنع أيضاً بأن لقطات الأفلام الرقمية لا تفقد جودتها مع الاستخدام المتكرر، ويقول: "عندما يتم عرض الأفلام بواسطة شريط الفيلم التقليدي لمدة ثلاثة أيام في دور السينما فإن الشريط يتأثر. وهذا لا يحدث في الطريقة الرقمية. فأشرطة الأفلام التقليدية تتكون عليها تدريجاً بقع أو خطوط تشبه الحليب".
لكن هل يهتم الجمهور حقا بتغيُّر شكل الأشرطة التقليدية أم أنهم يرغبون في صور مثالية للأفلام فحسب؟ تجيب نيكول عن ذلك بقولها: "تعجبني الصور الواضحة ولكن أحياناً يتعثر دوران شريط الأفلام التقليدي بسبب الالتصاق وهذا يؤثر على الصورة. لكن المشاهدين هم مَن يقرر في نهاية المطاف".
زحف التكنولوجيا الرقمية يُفقد البعض وظائفهم
لا أحد يستطيع إيقاف زحف التكنولوجيا الرقمية. كما أن دخول شركة كوداك للأفلام في الإفلاس أوائل عام 2012 كان مجرد حلقة في مسلسل إنهاء تقنية الأفلام التقليدية. وحتى دور السينما الصغيرة أصبح ليس لها من بديل آخر غير التقنية الرقمية. وباتت تقنية أشرطة الأفلام على وشك أن تكون من الماضي ومناسبة فقط لأرفف المتاحف، وأضحت وظيفة عارض الأفلام أيضاً مهددة بالانقراض.
ويقول أوليفر بهذا الصدد: "على الموظف الذي يعرض الأفلام بالطريقة الكلاسيكية في دور السينما أن يعمل عشر ساعات يشرف فيها على عرض الأفلام. ولكن مع توظيف الطريقة الرقمية أصبح الجهد والوقت اللازمان للبدء بعرض الفيلم أقل بكثير".
وقريباً سوف يكون على أوليفر العمل في السينما لمدة 20 ساعة فقط في الأسبوع. لذا فهو يبحث عن وظيفة إضافية. أما نيكول فهي متمسكة برأيها وتحب مواصلة العمل كعارضة أفلام بالطريقة التقليدية وكمخرجة للأفلام ولا تزال تفضل أشرطة الأفلام القديمة.
راينا برويَر / علي المخلافي
مراجعة: عبده جميل المخلافي