تلجأ الكثير من الأمهات إلى اعتماد أسلوب العقاب في التعامل مع الأبناء من أجل إجبارهم على الخضوع لما تراه الأم مناسبا لهم. لذا لا تتواني بعض الأمهات عن ضرب أبنائهن في أماكن عمومية بمناسبة وبدون مناسبة. بينما تلجأ بعض الأمهات للضرب كوسيلة تجبر الطفل على التحصيل العلمي. في حين ترى أخريات أن العقاب هو الوسيلة المناسبة لتحفيز الفتيات على إتقان أشغال البيت حتى لو تطلب الأمر اللجوء لكسر العظام !!
«العصا راها خارجا من الجنة» عبارة كررتها جميلة أكثر من مرة وهي تتحدث عن ابنها البكر الذي حول حياتها إلى جحيم دون أن تنجح عصاها السحرية “القادمة من الجنة” في كف صغيرها عن شقاوته التي تزداد يوما بعد يوم.
ثلاث جولات في أقل من نصف ساعة
تظهر جميلة نوعا من اللامبالاة عند سماعها لعبارات الناصحين وهم يحاولون إقناعها بأن الضرب لا يعالج كل المشاكل، «لو وضع أحدهم نفسه مكاني لفعل نفس الشيء» عبارة تبرر بها والدة المهدي لجوؤها لضرب ابنها ذو الست سنوات بمناسبة وبدون مناسبة. كانت محاولة المهدي ترك المقعد الذي يقتسمه مع والدته داخل حديقة الحي كافية لأن تمد يدها لتجذبه من قميصه بشدة، وبدون أدنى استفسار. بدت الحركة كأنها فعل لاإرادي اكتسبته الأم من معرفتها بمزاج ابنها. ترى جميلة أنها لو سمحت لإبنها بمغادرة المقعد، فإنه سيلتحق للعب بالصغار، ومن تم سيفتعل أي مشكل ليدخل في شجار قد يتطور إلى ما لا تحمد عقباه. هكذا تعرض والدة المهدي السيناريو المرتقب قبل وقوعه، بدعوى أنه يتكرر كل مرة، لذا فإن ما يبدو ضربا بدون سبب للمتواجدين في المكان، يعد بالنسبة لجميلة عقابا لمنع مشاكل أكبر قد يتسبب بها الصغير.
يستمع المهدي في اهتمام، ولا يتردد في رسم ابتسامة المستغرب وهو يسأل والدته «أنا كنضارب..يخ على كذابة». لم يكد الإبن يتمم جملته حتى أدخلته والدته في جولة ثانية من الضرب المصحوب بعبارات الإستياء، والتأفف لكون الأمور تزداد تعقيدا مع الوقت، معترفة أن الضرب لم يغير شيئا. لحظات بعدها يزكي المهدي اعترافاتها ليبدأ في ضرب بعض الأطفال بالحجر دون سابق إنذار. تقف جميلة لتثبت نظرها في ابنها، ليبادلها النظرات بحدة وكأنهما خصمين، «مالك كتشوف فيا» يتساءل المهدي لتنهال عليه والدته بالضرب وهو يتمرغ في الأرض دون أن تستطيع التمكن من ضبط حركته. انتهت الجولات الثلاث في مدة لا تتجاوز النصف الساعة، لتسحب الأم ابنها وتعود أدراجها للبيت وهي تلعن اليوم الذي ولد فيه..!
العقاب من أجل التحصيل
سعدت سناء كثيرا يوم رزقت بابنها. لكنها لعنت اليوم الذي أخذته فيه للمدرسة. لا تكترث سناء لمعرفة سبب نفور ابنها من المدرسة، لأن همها الأول أن تراه من المتفوقين حتى لو كان ذلك من خلال ترك كدمات قد تغطي وجهه الطفولي. «تربيت في أسرة تعاقب من يستحق العقاب، وأعلم جيدا أن ابني سيشكرني عندما يكبر لأنني أساعده في اختيار مستقبله» مستقبل تراه سناء على طريقتها، حيث ترفض حصول ابنها على نقاط متواضعة، أو أن يبدر منه سلوك خارج عن حدود اللباقة.
ترى سناء أن عقابها في حدود المعقول، لكن الأمر يبدو في خانة اللامعقول عندما تسترسل في وصف طرقها الخاصة في معاقبة ابنها، «يمكنني أن أضعه في الدولاب لأنه يخاف من الظلام، كما أنني أحرص أن أضربه دون أن أتسبب له بالأذي، إلا إذا كان الأمر خارجا عن إرادتي». تتعارض إرادة الزوج مع ماتريده سناء، لكنها تصر على أن طريقتها هي الأمثل، معتبرت أن تدخل زوجها يدخل في خانة التدليل الزائد عن الحد، «أطلب منه دائما أن يبدي نوعا من القسوة حتى يشعر ابننا بهيبته، لكنه يرى أن الأمور لا تكون بالشدة.. مع ذلك أتمسك بطريقتي لأنني أول من سيتعرض للمساءلة في حال فشل ابني» انتهي كلام سناء المغلف بقناعة غير قابلة للنقاش، وغير قابلة “للإستئناف”، حيث يعلم الإبن أن حصوله على نقطة متوسطة يعني تعرضه لعقاب جسدي، مما يرفع من مخاوف الأب في إمكانية هروب الإبن خوفا من العقاب.
ضرب و حرق وكسر
تجيد أمينة لغة واحدة، هي لغة الصفع، الركل، وشد الشعر، جازمة أنها الطريقة المثالية لصناعة «عيالات ديال بالصح». لا تكترث السيدة كثيرا للتفوق بناتها الدراسي الذي يلقى استحسانا وتنويها من المدرسين والمعارف، لأن الأهم بالنسبة لها أن تجيد الصغيرات أعمال البيت من الألف إلى الياء. تتحدث أمينة بافتخار عما يشبه جرائم في حق صغيراتها، وهي تصف كيف تضع الفلفل الحار في أفواههن، أو عن طريقة جرهن من شعرهن لأمتار. لا تتردد الأم “الحنون” في الإشارة إلى ندبة توجد أعلى شفة ابنتها الكبرى، «لقد قمت بإدخالها للمطبخ، وطلبت منها أن توقد النار وأن تضع فوقها ملعقة صغيرة، ثم طلبت منها أن تناولني إياها، وسألتها هل تعلمين ما الذي نود فعله بهذه الملعقة، أجابتني لا ماما.. معرفتش» ولأن دور الأم “المثالية” هو الجواب عن تساؤلات ابنتها، قامت أمينة بالتجرد من إنسانيتها، ووضعت الملعقة الساخنة على فم ابنتها، عقابا على كلامها أمام الأغراب.
لا تتوقف أمينة عن الحكي، لأن في جعبتها الكثير من الأمثلة التي ترى فيها نموذجا “مثاليا” تحتذي به أي أم « أنا بناتي عزاز عليا ولكن الواليد ديالي كان كيكول لينا ولدك وكلو وشربو وعصيه» تقول أمينة التي غفلت عن أن والدها لم يضف عبارة “وهرسيه”، ومع ذلك لا تتردد في الإعتراف بأنها تسببت في كسر اصبع ابنتها، والسبب عدم اتقانها لعجينة الفطائر.
سكينة بنزين