يقدر عدد النازحين من جراء القمع والعنف منذ بداية الربيع العربي بمئات الآلاف، كثير منهم لاجؤون سوريون. بعضهم توجه إلى الدول المجاورة للبحث عن ملاذ آمن، فيما شُرد البعض الآخر داخل حدود وطنه هرباً من العنف.
رغم تواصل الاحتجاجات ضد النظام السوري وارتفاع وتيرتها، إلا أن المعارضة السورية لم تفلح حتى الآن في الإطاحة برأس النظام. بل على العكس من ذلك، وبعد مرور أكثر من عام على بدء الاضطرابات في البلاد، يبدو أن الرئيس السوري بشار الأسد، أبعد ما يكون عن تخليه عن الحكم. أما الحديث عن مسألة قرب نهاية النخبة الحاكمة، فلم يعد مطروحاً منذ مدة. ليستمر بذلك، الصراع بين القوات النظامية والمعارضة إلى إشعار آخر، في وقت بات فيه حتى المراقبون الدوليون المبعوثون إلى سوريا أنفسهم عاجزين عن تغيير ذلك.
الهروب جراء العنف
وكان من بين نتائج القمع الوحشي، الذي تواجه به قوات الأسد الاحتجاجات في سوريا، تشريد مئات الآلاف من السوريين. فحسب مركز رصد النزوح الداخلي، يتخذ من النرويج مقراً له، فإن حوالي 230 ألف سوري يوجدون في حالة فرار داخل سوريا، كما تؤكد مديرة المركز كيت هالف . ويذكر أن القانون الدولي يميز بين اللاجئين، الذين يتركون أماكن إقامتهم ويلجؤون إلى أماكن أخرى في البلد نفسه، وبين اللاجئين، الذين يلتمسون الحماية في بلدان أجنبية.
وبحسب تقديرات المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة (UNCHR) فقد نزح حوالي 60 إلى 70 ألف سوري إلى تركيا والأردن، إضافة إلى لبنان والعراق.
وحتى الآن مازالت الدول المجاورة لسوريا تفتح حدودها أمام اللاجئين السوريين. وقد استقبلت الحكومة التركية، التي تتعاون مع المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، أكبر عدد من اللاجئين السوريين، منذ مارس/ آذار 2011. ويعيش حالياً في مراكز استقبال اللاجئين في تركيا حوالي 23 ألف لاجئ سوري. وفي لبنان والأردن، تتحدث المفوضية العليا للاجئين عن تسجيل أكثر من 10 آلاف لاجئ في كل منهما. لكن الواقع يظهر أن كلا البلدين استقبل ضعف هذا العدد المسجل. ويقول المتحدث باسم المفوضية العليا لشؤون اللاجئين شتيفان تيلوكن في مقابلة مع DW إن "بعض اللاجئين يتريثون بعض الشيء قبل تسجيل أسمائهم في القوائم، لأنهم يأملون في عودة سريعة إلى سوريا".
أمل ضعيف في العودة
لكن الوضع الحالي في البلاد لا يبشر بعودة وشيكة لهؤلاء، فأعداد النازحين حتى في داخل سوريا في تزايد مستمر. وتقول كيت هالف إن سوريا شهدت "موجتين كبيرتين للنزوح الداخلي". كانت الأولى "في مايو/ أيار 2011، حيث ارتفع عدد النازحين في الداخل إلى 120 ألف شخص، تمكن أغلبهم بعد فترة من العودة إلى ديارهم". أما الموجة الثانية، تضيف هالف، "فكانت بين ديسمبر/ كانون الأول 2011 وفبراير/ شباط 2012، وبلغ حجم النازحين فيها 200 ألف شخص. ما زال السواد الأعظم منهم مشرداً داخل
معظم نازحي الداخل ينحدرون من المناطق التي تشهد اشتباكات مسلحة، وتسهد خراباً كبيراً. وتؤكد هالف أن "أغلب النازحين يغادرون منازلهم المدمرة بما يقدرون على حمله من متاع فقط"، تاركين وراءهم جزءا مهماً من ممتلكاتهم. وعندما يستقرون في أحد الأماكن الآمنة نسبياً، يكونون في حاجة إلى مساعدة العائلة أو الأصدقاء، وأحيانا أخرى في حاجة إلى مساعدة الغرباء. وتوضح هالف أن النازحين غالبا ما يتخذون من البنايات الخربة مأوى لهم، حيث يندر توفر إمدادات المياه. كما يعانون أحياناً أخرى من الحصول على المواد الغذائية، والاستفادة من التغطية الصحية ومرافق التعليم.
مئات الآلاف من المشردين
عرفت أحداث الربيع العربي أيضاً تشريد العديد من الأشخاص في ليبيا واليمن، فقد كشف مركز رصد النزوح الداخلي في عام 2011 أن عدد النازحين في الداخل وصل إلى حوالي نصف مليون شخص. وبلغ عدد الأشخاص الذين فروا من العنف في اليمن، ومن بينهم نساء وأطفال، حوالي 170 ألفاً. وبذلك يكون عدد المشردين، في دول الربيع العربي، بدءا بتونس ومروراً بمصر ووصولاً إلى اليمن، قد تضاعف ست مرات، مقارنة مع ما سٌجل من أرقام خلال العام الماضي. وفيما عرفت وضعية هذه الفئات في بلد مثل ليبيا، الذي شهد تدخلاً عسكرياً دولياً، تحسناً ملموساً، تزداد وضعيتهم في سوريا تعقيداً مع ازدياد الغموض الذي يكتنف المشهد السوري.
أنّه ألميلينغ/ عادل الشروعات
مراجعة: عماد غانم