هل طوينا صفحة الجدل الذي أثارته دفاتر التحملات التي تم إنجازها في الظلام؟ هل أخفى حزب العدالة والتنمية سيوفه بعد أن أشهرها في وجه معارضيه؟ هل نطوي صفحة الجرأة الزائدة على الدستور والقوانين؟ هل فهم حزب العدالة والتنمية أنه أخطأ حين أخفى ورقة التوجهات والاختيارات الكبرى؟ من طبيعة حزب نشأ ملتبسا وعندما خاطب الناس كان أشد التباسا وعندما مارس تدبير الشأن العام دخل في دورة التباس كبرى، أن يلجأ إلى التدليس مرة أخرى ولو بالتراجع خطوة إلى الوراء من أجل خطوتين إلى الأمام، ولا عيب في أن يستفيد الوهابي المتأصل من لينين زعيم الشيوعيين. فقد ألف الحزب أن يخرج أنيابه قصد قياس مدى تقبل الأطراف الأخرى لصولاته وجولاته وإذا ما وجد معارضة قوية من الفعاليات أمامه تراجع إلى الوراء مدعيا وزاعما حماية الوحدة الوطنية في انتظار فرصة أخرى مواتية. قد يظن البعض أن الصحف طويت وأن دفاتر التحملات عادت إلى مسارها الطبيعي. وهذا في تقديرنا خطأ. لفقد دأبت السلفية الوهابية ومنها حركة التوحيد والإصلاح، راعية حزب العدالة والتنمية، على ترديد مقولة مأثورة "إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن"، أي ما يتم تحقيقه عن طريق السلطة هو أكبر بكثير مما يتم تحقيقه بالدعوة، فالسلطة أمر وقانون وفرض لتوجيهات وغيرها أما الدعوة فهي إقناع مكلف. وطبقا لهذه القاعدة لابد من وضع الانفراد بوضع دفاتر التحملات في سياق محدد ودقيق حتى يمكن فهمها ومعرفة أهدافها. فدفاتر التحملات هي نوع من ممارسة السلطان أو هي وازع السلطان الذي قد يحقق في يوم واحد ما عجزت الحركة عنه في عشرات السنين من العمل الدعوي. فبنكيران ورهطه لا تهمه الحكومة وحزب العدالة والتنمية لا تهمه لأنه لم يتكرس كحزب سياسي كما توهمنا بداية عندما اعتبرنا دخوله للحكومة سيكرسه كحزب سياسي، ولا يهمه تدبير الشأن العام بما هو برامج تنجز وخطط تنفذ، ولكن تهمه الحكومة بما هي وازع السلطان الذي يحقق أهداف الدعوة التي من أجلها أسس بنكيران كل هذه التنظيمات والتيارات والجمعيات. إن الحزب والنقابة والفصيل الطلابي والمنظمة الطلابية والجمعيات والفريق النيابي والفريق الحكومي ما هي إلا أدوات وظيفية لحركة التوحيد والإصلاح السلفية الوهابية، ومن طبيعة الأدوات الوظيفية أن تنفذ برنامجا ومشروعا أكبر من مشروعها المعلن، واليوم الحركة تعول على وزرائها لنهضة كبيرة لدعوتها، ولا نتصور أن تكون دعوة الحركة الوهابية مثلما كانت من قبل. فاليوم بيدها وزارات ستمرر من خلالها مشاريع وتدق أوتادها وتبني أسوارا لن يكون من السهل إزاحتها. فالبداية تكون بالدفتر أو الكناش، ويخوض الحزب المعركة من أجل تنفيذه على أرض الواقع، وبعد التنفيذ يتم زرع الموارد البشرية الوفية للدعوة. إن المعركة لم تنته بهذا السكوت المريب للحزب ما دام يعتبر الحكومة هي وازع السلطان الذي سيحقق له ما لم يحققه خلال 30 سنة من العمل الدعوي على المنهج الوهابي