د.حبيب عنون
باحث في العلوم الاقتصادية والاجتماعية
لقد شكل مجال التواصل والإعلام إحدى المجالات التي أثارت جدلا واسعا بين مختلف الفعاليات كيفما كانت صبغتها ومجال نشاطها لما تكتسيه من أهمية ليس فقط على صعيد حق الإخبار والإعلام ولكن حتى على صعيد حق إشراك المواطن في إبداء الرأي وتمكينه من تتبع مصداقية ما تضمنه الخطاب الموجه له. وحتى لا تكون حقيقة المعلومة ذات بعد سياسي تمويهي فضلت الكثير من الدول المتقدمة ديمقراطيا، الاستغناء عن حقيبة وزارة الاتصال والإعلام وإيلاء تدبير شؤون هذا المجال لوكالة مستقلة عن الجهازين التنفيذي والتشريعي. مثل هذه الاستقلالية الاعلامية كمثل الجدل النظري القائم حول استقلالية البنوك المركزية عن الدولة كي تظل هناك مساحة بين السياسة النقدية والمالية للبنك المركزي ومتطلبات التمويل "السياسي" للبرنامج الاقتصادي والاجتماعي للحزب أو للكتلة الحزبية المنتدبة لتدبير الشأن العام. في المغرب كان الجدل خلال السنوات الفارطة قائما بخصوص تقويم هذا المجال منتهجا نفس المنحى من زاوية المضمون لتتم المطالبة باستقلالية تدبير مجال التواصل والإعلام عن الجهاز الحكومي أي بإلغاء وزارة يعهد إليها تدبير هذا القطاع بمعنى توجيهه وليس تأطيره. كمثل الدول المتقدمة الديمقراطية حيث ثمة انفصال بين إطار من يدبر شأن الاعلام والتواصل وإطار المتحدث أو الناطق باسم الحكومة. ففي غياب هذا الفصل بين هذين الإطارين، سيظل المجال الإعلامي والاتصال متغير الحلة ومضمون الخطاب بتغير حلة الحزب أو الكثلة الحزبية المدبرة للشأن العام. ما وقع في المغرب، أعتقد ذلك، أنه في الوقت الذي أفضى فيه الجدال حول مجال الاتصال والإعلام إلى إرساء هيأة "الحكماء" المتجسدة في المجلس الأعلى للسمعي البصري كان من الموضوعي المضي مزيدا نحو تطوير هذه الهيأة في اتجاه استقلاليتها مع الإلغاء المبرر لوزارة الاعلام والاتصال. ومما لا شك فيه أن الجدال، السلبي العواقب، القائم حاليا هو تجلي واضح لسلبيات تجميع مجالي الاتصال والاعلام بين يدي ليس حزب وحيد، لكونه لا يعكس انسجاما بين مكوناته، بل بين يدي وزير الاتصال وفي نفس الوقت هو كذلك الناطق "الرسمي" باسم حكومة متناقضة الفعاليات. لماذا الحديث عن سلبية عواقب الجدال لكونه تعدى الاطار السياسي الحزبي لتقحم مضطرة في ذلك جمعيات المجتمع المدني والفعاليات النقابية وغيرها من الفعاليات التي بدأت تشعر بنبرات التضييق على مجالات تعبيرها وإبداعها وتفكيرها تدنو لا لتأطيرها ولكن لطمسها رغبة في محوها وإقبارها وإفساح المجال وحسره لفائدة "من معي لا لمن ضدي فكريا".
وبات الخطاب السياسي لوزراء العدالة والتنمية ينحو هذا التوجه الأحادي متناسيا أنه لا وزن له دون دمجه وخطاب باقي الأحزاب التي أهدت لهذا الحزب الأغلبية العددية في المجلسين التنفيذي والتشريعي، حتى بتنا نصدق القائل بكون هذا النوع من الخطاب لا يهم ولا يعني ولا يمكن تصديقه، لا سياسيا ولا اقتصاديا، إلا من وهب صوته لفعاليات هذا الحزب. بل أبلغ من هذا لم يعد المواطن المغربي يستوعب ما يصرح به وزير الاتصال والناطق الرسمي باسم الحكومة بالنظر للجدل الذي ينشب عقب كل تصريح بين مكونات الحكومة وبين ما يصرح به هو كوزير للإتصال. الأمر الذي يجعل المواطن المغربي في حيرة من أمره إزاء ما يخاطب به: فهل هو خطاب التشكيلة الحكومة (انطلاقا من ميثاق التوافق الموقع بينها) أم هو خطاب وزير الاتصال؟
ومن الغرابة ألا يجد رئيس الحكومة جوابا موضوعيا عن الأحداث التي تشهدها شبه يوميا عدة قطاعات وعدة مصالح في مدن ودواوير ومداشر مختلفة في حين يكفي أن يسترجع خطابه خلال الحملة الانتخابية حين كان يقوم بجولات ماراطونية لتمرير خطاب مزدوج الثنايا، خطاب ظاهري حين كان يلقي باللوم على كل الحكومات السابقة في ما آل إليه الوضع المعاشي للمواطن المغربي مزكيا هذا المآل باستفحال الفساد وسوء التدبير والنهب واستغفال المواطنين والمحسوبية والزبونية وغياب تكافؤ الفرص وأن ثروات المغرب هي حق لجميع المغاربة... مخللا خطابه التواصلي بكون هذا الوضع لا يتقبله كما يقال بالعامية (لا الله ولا العبد) مضيفا أن الوقت قد حان أي لحزبه "المنتظر" للقضاء على ما يقبله (لا الله ولا العبد). أما ما كان مستثيرا هو رغبته في إيصال حزب إسلاموي إلى دواليب تدبير الشأن العمومي ولكن بنبرة كانت تجعل المواطن المغربي يتقبل فكرة لا موضوعية فيها حين بات يردد "لقد فات وأن صوتنا لفائدة الأحزاب الأخرى... ولا شيء... لم لا نجرب هذا الحزب". وهذه ثقافة شعبية خطيرة من زاوية الوعي الفكري.
لم يكن يعلم آنذاك المواطن المغربي المتبني لهذه الفكرة أنه ثمة فرق شاسع بين القول والفعل وأن الأحزاب التي كان رئيس الحكومة ينعتها بأذل النعوت هي الأحزاب نفسها التي سعى وراءها لضمها لحكومته بغية ضمان أغلبية "صورية"؛ حينها تبين للمواطن أن الخطاب التواصلي الانتخابي للأمين العام لحزب العدالة والتنمية ما كان إلا خطابا سياسيا تمويهيا خصوصا بعد أن استعرض عليه التشكيلة الحكومية التي قدمها إليه السيد ابن كيران بصفته رئيسا لها. يمكن القول أن ابن كيران ، كيفما كانت الأحوال، قد أفلح في بلوغ مبتغاه من خلال تمكين حزبه من ممارسة تدبير الشأن العام في زمن بالغ الحساسية وجب الحفاظ فيه على الاستثناء المغربي الذي أرسى أولى أسسه ضامن وحدة البلاد من خلال مضامين خطاب 9 مارس 2012؛ ولكن هل باستطاعته الحفاظ على هذه المكانة؟
تجاهل حزب العدالة والتنمية عند تدبيره للشأن العام، ربما لعدم التجربة، أن لا أغلبية لديه لا على صعيد الحكومة ولا على صعيد البرلمان إلا بانضمام فعاليات سياسية أخرى وبالتالي تجاهل وزراء ابن كيران رئيس الحكومة أنه أي خطاب أو مبادرة سياسية لابد أن يتم التوافق بشأنها قبل التصريح بها حتى يتأكد فعليا وعمليا الانسجام الحكومي على صعيد الخطاب السياسي والاقتصادي. إلا أن وزراء حزب العدالة والتنمية تغاضوا عن أرضية التوافق ونهجوا سبيل الخرجات الأحادية الذي سيعرف بمنطق البحث عن الشعبوية وما هي بشعبوية لكون مصطلح الشعبوية له مغزى لا علاقة لها بما قام به دون صدى إيجابي وزراء العدالة والتنمية. واعتقد البعض أننا نعيش نقلة في نمط الاعلام والتواصل مع المواطن المغربي بمعنى من حق هذا الأخير تماشيا ومقتضيات دستور 2011 الاطلاع على أية معلومة بيد أن البعض الآخر لم يولي اهتماما وانشغالا بالغين لهذا الأمر بمعنى أنه لا يعدو أن يكون سوى "مهرجانا" سياسيا واستهزاء بعقول المواطنين لكون طبيعة القضايا المطروحة هي جد معقدة ووجب قصد معالجتها التأسيس لمبادرة جماعية وتوحيد الرؤى ومنهجية المعالجة بين الشركاء في التشكيلة الحكومية لتتلوها خطوة إعلام المواطن عن طريق من نصبته الحكومة ناطقا باسمها.
شرع وزراء حزب العدالة والتنمية في نهج أسلوب أحادي للتواصل مع المواطن المغربي أو مع من يؤمن بأطروحة هذا الحزب، بالرغم من ضبابية برنامجه وعدم توفره على نمط اقتصادي يميزه، بخرجات إعلامية جاعلة من محاربة الفساد جدعها المشترك دون تحديد مسبق، حتى يكون الهدف والمستهدف واضحين، لتعريف مصطلح الفساد. فملئت صفحات بعض الجرائد والمواقع الالكترونية "المتسرعة" بالتسابق لنشر صور لمواطنين مغاربة باتوا "متهمين" بلا تهمة لاستفادتهم من المأذونيات (لكريمات) ومقالع الرمال ليتلوه ملف الموظفين "الأشباح" وملف المعطلين وملف إصلاح صندوق المقاصة ثم ملفات سوء تدبير بعض المؤسسات العمومية إلى غيرها من الملفات التي من المستحيل معالجتها على الصعيد الوزاري لتشابك زواياها ولطول المدة الزمنية التي تتطلبها معالجتها متجاهلين الملفات المستعجلة المتعلقة بالقدرة الشرائية للمواطن المغربي ومستواه المعاشي ومتطلباته الآنية والتي قال بشأنها الوزير الخلفي بأن حزبه سيشرع في تفعيل رزمة من الإجراءات الآنية لفائدة المواطن المغربي فور كسب الحكومة لثقة المجلس التشريعي. رزمة من التدابير يئس من انتظار تفعيلها ليس فقط المواطن المغربي عامة ولكن حتى ذاك الذي وضع ثقته في هذا الحزب واستهواه خطابه الانتخابي أو ذاك الذي صوت على هذا الحزب آملا في فسح المجال لتجربة جديدة في مجال الشأن العمومي.
كل الملفات التي فتحت باسم محاربة الفساد والتدبير السيئ لبعض المؤسسات العمومية تم التراجع الاعلامي الحزبي عن تداولها من جراء، ليس كما يدعي البعض وجود جيوب المقاومة بل لعدم التجربة ولعدم احترام فلسفة التوقيع على ميثاق مشترك بين حزب العدالة والتنمية وباقي شركائه في الحكومة والتي تقضي بأن لا مبادرة ولا تصريح ينفذ للمواطن إلا بمشاورات بين هذه الفعاليات إلا أن وزراء الفانوس ربما رغبوا في إثبات الذات وباتوا يتسرعون وزيرا تلو الآخر بخرجات إعلامية دون تشاور ودون تبعات. إذ شكلت هذه الخرجات سابقة إعلامية وتواصلية لم يسبق للمواطن المغربي أن عاينها ولكنها سلبية في نهجها وفي نتائجها لكونها سرعان ما يتم الاعلان عن نقيضها أو التبرؤ منها من طرف سواء رئيس الحكومة نفسه أو من طرف أحد الفعاليات المشكلة للحكومة. كيف سيكون رد الوزير الشوباني الذي سبق وأن صرح أن المواطن المغربي لا حاجة له بمشروع TGV لكون المغاربة حسب قوله هم في حاجة إلى الضروريات المعيشية كالخبز والزيادة في الأجور وغيرها، عندما يتلقى خبر أن زميله في الحزب بات يعتبر هذا المشروع ضرورة ملحة للإقتصاد الوطني بل أن زميله احتضن المشروع وبات يلقبه بمشروع ل PJD. بل كيف سيتلقى المواطن هذه الازدواجية في الخطاب التواصلي والاعلامي؟ تم كيف يعقل أن وزيرا سبق له وأن تعامل مع عدة ملفات ضمن حكومة ادريس جطو واستأنس بالممارسات الدبلوماسية أن تسمح له ليست أخلاقياته بل تمثيليته للشعب وللحكومة المغربية أن ينسحب من لقاء حول مشروع TGV ؟ ضجة إعلامية، أم "مهرجان" ابتدعها الوزير الرباح دون إطلاع المواطن المغربي على الوثائق التي اعتبرها مغرضة ومحرجة (هذا في وقت يدعي فيه أن التواصل مع المغربي يلزمه إبلاغ وإطلاع المواطن على كل معلومة)، ليعود مرة أخرى ليصرح أن هذا المشروع بات ضروريا للاقتصاد المغربي ملقبا إياه ب مشروع PJD . لم يجد البيجيدي ما يبتدعه من مشاريع لا اقتصادية ولا اجتماعية وبات يستحوذ على مشاريع أعطى انطلاقتها ضامن وحدة البلاد بحضور الرئيس الفرنسي.
السابقة الثانية التي ميزت وزراء العدالة والتنمية، علاوة على ما سبق ذكره، هو التلميح والتهديد بالاستقالة إذا لم يتم تفعيل ما يخططون فرادا له. إذا كان مضمون الخطاب التواصلي السياسي مع المواطن هو جعله يستوعب بأن ذاك الوزير أو ذاك الوزير الآخر قد استقال بسبب عرقلة مهامه، فهذا خطاب سياسي تمويهي ليس إلا. أما حقيقة الأمر أن الوزير بهدف البحث عن الاستفراد ب"السبق السياسي" قد تجاوز مقتضيات التوافق الحكومي وتاه في ملفات لن يتوفق في معالجتها احاديا إضافة إلى هذا، فهذه المنهجية التي تعتبر سابقة لا يمكن أن يفهم منها سوى العجز عن تفعيل ما تم وعد المواطن بتفعيله واعترافا بجسامة مسؤولية تدبير المرفق العمومي. كيف لمسؤول وزاري أن يلمح للشعب المغربي بالتهديد بالاستقالة وهو ما زال لم يلج حتى مكتبه.
بات من الأكيد ومن خلال الخطاب التواصلي لحزب العدالة والتنمية وعلى رأسهم الأمين العام للحزب والذي يترأس حكومة التنزيل القويم لمقتضيات دستور 2011 أن خطابهم السياسي بدأ يتسم بالتراجع بعد أن أعاد رئيس الحكومة تشغيل اسطوانة "المحيطين" بالقصر والتي جاءت متزامنة مع تهديد برلماني من العدالة والتنمية بالنزول إلى الشارع قصد التصدي لجيوب المقاومة. والتلميح بالنزول للشارع من طرف برلماني لدليل على انحطاط الثقافة السياسة إلى أدنى مستوياتها لدى البعض من برلمانيي المغرب. هل هذا تواصل أم تهديد أم دعوة للفتنة لا لشيء موضوعي بل الموضوعي فيه هو العجز في التشريع والتدبير. لن يسمح ولن يتقبل المواطن المغربي مثل هذا الوعيد بل سيزيد في تأجيجه لكون البعض منه فطن بكونه قد تم استغفاله بخطاب سياسي تمويهي والبعض الآخر فطن منذ زمن أن الحزب الذي يدعي أنه احتل تلك المكانة بفضل مجهودات مناضليه إنما هو حزب استغل شعارات الحراك السلمي الذي ميز المملكة المغربية.
لم يتفهم وزراء العدالة والتنمية ولم يزنوا حق قدرها "مغامرة" الأحزاب التي قبلت المشاركة إلى جانبها قصد ليس بالضرورة إنجاح التجربة "الاسلاموية" بل حفاظا منها على الاستثناء المغربي. فمفهومهم للأغلبية قد جعلهم يعتقدون أنهم هم القاطرة أما باقي الفعاليات المشاركة في الحكومة إنما هي عبارة عن "كراكيز" متناسية أنه لو انسحب حزب واحد من التشكيلة الحكومية من جراء الخرجات غير الموزونة لوزراء العدالة والتنمية وانضمامه إلى صفوف المعارضة قد نكون أمام مشهد سياسي لا نحسد عليه وقد تلجأ المعارضة إلى لعب ورقة ملتمس الرقابة على الحكومة كما قام بها الاتحاد الاشتراكي سابقا. لقد سلك وزراء العدالة والتنمية نهجا لا يتلاءم لا مع الخطاب السياسي الانتخابي ولا يتلاءم مع تقاليد احترام ميثاق الشرف والتوافق مع باقي الفعاليات السياسية، علاوة على نهجها لأسلوب التهديد بالاستقالات والتهديد بالاقتطاعات في اجور الموظفين والإقصاء الحزبي والنقابي من الحوار الاجتماعي مع التهميش التام لمختلف المؤسسات الدستورية القائمة وما يتلو هذا كله من تراجع في مكتسبات ما تم النضال من أجله والحصول عليه في مجال التعبير والحريات العامة وهذا النهج متناقض مضمونا وجوهرا مع جوهر دستور 2011 ومع جل المواثيق الدولية المصادق عليها من طرف المملكة المغربية. فهذه التراجعات عن المكتسبات جزء من الجواب على التساؤل الذي قد حير ابن كيران رئيس الحكومة حول عدم استيعابه لحيثيات استمرار المظاهرات والإضرابات. لا رغبة للوزير الخلفي في تحديث أو تأطير المجال السمعي البصري من خلال ما بات يعرف ب"قضية دفتر التحملات" بل مراده هو قطع الطريق أمام الرأي الآخر أو الرأي المعاكس الذي ينتقد أداء وزراء العدالة والتنمية. إذا كان الأمر عكس هذا التوجه فلما لم يستهدف كثرة الفتاوى وهزالة مضمونها دون سند ودون مرجعية حتى بات بعضها سخرية و"نكتا" تتداولها العامة وحتى بات المواطن المغربي يشكك في أصحية ديانته. لقد كان الوزير الخلفي قبل استوزاره، يشيد بنتائج الحراك التونسي والمصري من خلال كتاباته على صفحات جريدة التجديد وجرائد ومواقع إلكترونية أخرى قد تقصى لمجرد أن الباحث الخلفي قد أصبح وزيرا وبات يعتقد أنه بإمكانه "تغيير مسار فكر أمة"، إلا أنه قد تخلى عن هذا السبيل، أي النموذج التونسي والمصري، لكونه يعلم أن الشارع التونسي قد عاد إلى نقطة الصفر ليطالب بعدم استغفاله باستغلال مطالبه وحراكه في مرحلة أولى ليتم بعدها محاولة تعميم الفكر الأحادي وتفعيل النهج الاسلاموي والذي هو أيضا يشكو من تشابك وتناقض بين أقطابه. فإذا كان الشعب التونسي قد انتفض واستفاق من استغفاله ومحاولة طمس ما راكمه من مكتسبات من أجل حرية التعبير، فالشعب المغربي لن يشكل الاستثناء . ترى ما رأي رئيس الحكومة في ما هو سائر في تفعيله الوزير الخلفي بخصوص حرية التعبير ومساومتها بالاستفادة من الدعم الحكومي. ويتم هذا في وقت سبق لكم خلال خطابكم الانتخابي وحتى بعده، أن أصررتم على أنه لا مساس لحريات وعادات المواطن المغربي لكونكم كنتم على علم أن جل الفعاليات بمختلف مجال أنشطتها كانت قبيل تنصيب حكومتكم متخوفة من تولي حزب العدالة والتنمية لتدبير الشأن العام وخصوصا لبعض المجالات البالغة الحساسية أي تلك المتعلقة بحرية التعبير. من الأكيد أن مثل هذه الاجراءات ستزيد من تصدع الفعاليات المشاركة في الحكومة خصوصا وأنها بالنظر لاختلافاتها الايديولوجية فلن تتقبل بمصادرة حق التعبير ومساومته بالمال في وقت لا يجب على الوزير الخلفي أن يتناسى أن مجال حرية التعبير كان من بين الملفات الكبرى والتي كانت مطروحة بجدية خلال مدة انتداب الحكومة السابقة، قصد معالجتها في إطار حوار وطني بإشراك كافة الفعاليات المعنية، إذ كان من المنتظر من حكومتكم إعادة تناوله وإتمام صياغته لإخراجه في صيغة تتعالى وتتجاوز مبدأ "المال مقابل حرية التعبير". فإذا كان رئيس أمريكي سابق قد صرح في حقبة مضت "إما أن تكون معي أو تكون ضدي" فلربما يرغب الوزير الخلفي في اعتماد نفس الأسلوب ليقول للمواطن المغربي "إما أن تتبنى فكري وتفوز بالدعم المالي الحكومي أو أن تتبنى فكرا آخر لتبقى مذموما معزولا".
في ظل هذه الأجواء لا يمكن الحديث عن تغير إيجابي في منهج التواصل والاعلام ولا يمكن في نفس السياق الحديث عن "إبقاء" الحال عما هو عليه. إلا أن ما يمكن الجزم فيه تبعا لما صرح به الوزير الخلفي بكون مضمون دفاتر التحملات هو تنزيل سليم لمقتضات دستور 2011، فلا أعتقد ذلك لكون، وبكل موضوعية، لا وجود لدستور في المملكة المغربية ينص على أمرين متناقضين: حرية التعبير والابداع والفكر من جهة وفي نفس الوقت، ومن جهة اخرى، التضييق على ما قد سلف ذكره. من الأكيد أنها مسألة تأويل واجتهاد لمقتضى دستوري(لغرض في نفس يعقوب) من طرف الوزير الخلفي بغية تكييفه والايديلوجية التي يدافع من أجل ترسيخها. فنوعية الخطاب التواصلي والاعلامي الذي يتبناه أو يحاول وزراء حزب العدالة والتنمية ترسيخ اسسه إنما هو خطاب سياسي تمويهي محض وهذا قد يزكي موقف العديد من الفعاليات بمختلف مجال أنشطتها والتي كانت قبيل تنصيب حكومة دستور 2011 متخوفة من تولي حزب العدالة والتنمية لتدبير الشأن العام وخصوصا لبعض المجالات البالغة الحساسية أي تلك المتعلقة بحرية التواصل والاعلام والحريات العامة. وحتى نضل في حياد تام، فتعبير الشارع بمختلف مكوناته من خلال تحركاته اليومية لخير جواب على ما إذا كان الخطاب السياسي التواصلي لوزراء العدالة والتنمية يكتسي صبغة جديدة وجدية ومقنعة للمواطن المغربي أم أنه يضل خطابا سياسيا تمويهيا مرحليا فطن المواطن بثناياه. فمهما قلت ومهما قالوا، و كما أكدت في مقالات سابقة فنحن امام معطى جديد متجسد في مؤسسة "الشارع" حيث بات في هذا الزمن هو الحكم والعدل والمحرار الذي تقاس به مصداقية الخطاب التواصلي السياسي.
ANOUNE64@gmail.com