صارت إضرابات كثير من موظفي الإدارات والمؤسسات العمومية، حديث الشارع المغربي و مادة دسمة لوسائل الإعلام المختلفة في الآونة الأخيرة، نظرا لما تكبده الاقتصاد الوطني من خسائر جراءها، وما ترتب عنها من تعطيل لمصالح المواطنين (الجماعات المحلية و العدل,,,)، وجروح لن تندمل أبدا في المسيرة الدراسية لعدد كبير من التلاميذ (التعليم)، و مآسي تستعصي على التصديق (الصحة،..)، إضرابات اختلفت الآراء حولها باختلاف زاوية النظر، ففي حين يحمل الموظفون على اختلاف فئاتهم، مسؤولية كل ذلك للوزارات المعنية لعدم تقديمها حلولا ناجعة تنصفهم وترفع عنهم الحيف الذي استمر لسنوات من جهة، وللمواطنين لعدم احتجاجهم دفاعا عن مصالحهم ومصالح أبنائهم من جهة ثانية، ترمي الوزارات بالكرة في مرمى هؤلاء، مؤكدة استجابتها لكثير من المطالب، متهمة بعض الفئات برفع مطالب تعجيزية ..وكذا الإساءة لحق الإضراب من خلال المساس بحقوق المواطنين وتحويل كثيرين أيام الإضرابات لأيام عطلة، فضلا عن ما يرافقها من ممارسات لا أخلاقية من بعضهم كالعمل في القطاع الخاص أيام الإضراب، تحرير وثائق خارج مقرات العمل...
واعتبارا لكون الإضراب حق يكفله الدستور المغربي للأجراء كوسيلة للدفاع عن حقوقهم (الفصل 29 من الدستور المغربي)، وصعوبة الاصطفاف إلى جانب هذا الطرف أو ذاك، وإن كانت الوقائع أحيانا تعضد رأي الموظفين فإن سؤال الحق والواجب يطرح نفسه بإلحاح، وسأتحدث عن التعليم كنموذج في محاولة لمقاربة جوانب من هذا الموضوع.
أقدمت وزارة التربية الوطنية في إطار سعيها لسد الخصاص في الموارد البشرية ، والمساهمة في امتصاص غضب المعطلين من حملة الشهادات العليا على عدة قرارات في السنوات الأخيرة ، ساهمت في إخراج كثير من فئات رجال التعليم المتضررة منذ زمن عن صمتها ومن بينها :
- تعيين مجازين (توظيف مباشر)أساتذة للتعليم الابتدائي أو الإعدادي من الدرجة الثانية " السلم العاشر " ، فيما آلاف من رجال التعليم المجازين وآخرين راكموا تجارب سنوات عدة قد تتجاوز الثلاثين لا يزالون يقبعون في الدرجة الثالثة " السلم التاسع ) حتى اصطلح عليها الزنزانة 9.
- تعيين حاصلين على الماستر (3+2) دون تكوين أساتذة للتعليم الثانوي التأهيلي من الدرجة الأولى( السلم الحادي عشر) فيما أساتذة مجازون خريجو المدرسة العليا للأساتذة (4+1) تجاوزت سنوات عمل الكثيرين منهم العشرة لا يزالون يقبعون في الدرجة الثانية ( السلم العاشر.
هذا فضلا عن إهمال مطالب فئات عدة من رجال التعليم : الملحقون ، هيئة الإدارة التربوية، المدمجون، الأعوان ,,,
قرارات اعتبرها رجال التعليم ومعهم كثير من المهتمين بالشأن التعليمي بالمغرب ارتجالية لانعكاساتها السلبية على جودة العرض التعليمي العمومي (التدريس دون تكوين ؟؟؟)، وما ترتب عنها من ظلم وحيف (أستاذ عين في 2010 يتقاضى 7000 و آخر يعمل منذ سنوات يتقاضى 4000 درهم أو أقل ؟؟؟؟)، ورأى المتضررون أن من حقهم اللجوء لكل الأشكال النضالية المشروعة بما فيها الإضرابات الممتدة " نموذج أساتذة الزنزانة 9" دفاعا عن حقوقهم ، خصوصا بعد أن اتضح خلال العشر سنوات الأخيرة أن الوزارة لا تفهم غير لغة الإضرابات والاعتصامات، فمن أضرب واعتصم بالرباط نال حقه، ومن عمل وانتظر حوار النقابات الأكثر تمثيلية طاله النسيان، ومن ثم فلا جدوى من التفكير في وسائل غيرها كحمل شارة، أو مقاطعة المجالس .. أسوة بالموظفين في الدول الغربية، رافضين الاستشهاد بهذه الأخيرة في الاقتطاع من أجرة المضربين وقلة الإضرابات، لما توفره لموظفيها من حقوق تنزلهم المنزلة اللائقة بهم في المجتمع، واستجابتها لمطالبهم عقب أبسط أشكال الاحتجاج ,محملين الوزارة الوصية مسؤولية تبعات هذه القرارات : هدر الزمن المدرسي ، تدني مستوى التلاميذ ، وإضعاف المدرسة العمومية..
لكن الانعكاسات السلبية للإضرابات الكثيرة لعدد من فئات رجال التعليم - بما فيهم أصحاب التعيينات المباشرة - على المسيرة الدراسية لتلاميذ أبرياء، لا ذنب لهم غير أنهم ليسوا من ابناء الطبقات الميسورة في المغرب، وانتهاكها لحقهم في التعلم (الفصل 30 من الدستور المغربي)، تضع مشروعية هذه الإضرابات موضع تساؤل ؟ لهذا يرد منتقدوهم : وهل موظفونا في مستوى نظرائهم الغربيين الذين تشير التقارير و التجارب الميدانية لحرصهم اليومي على الوقت، وتقديسهم للعمل بكل ما تحمل الكلمة من معنى ؟، وهل يتصور أن يفكر هؤلاء في حقوقهم وينسون واجباتهم التي تترتب عليها حقوق الآخرين، أو أن يوازوا بين خسارة(1) مبلغ مالي شهريا لمدة ما مهما كانت أهميته، وبين حرمان تلاميذ من الدراسة لأسابيع بل أشهر سيتم تنقيلهم للقسم الموالي في آخر الموسم ظلما ؟
وفي حين يحمل المضربون المواطنين أيضا مسؤولية ضياع مصالحهم و مستقبل أبنائهم، لصمتهم المطبق وعدم احتجاجهم للضغط من جانبهم لترتدع الوزارة، يرى منتقدوهم بأن ذلك مردود عليهم لأن فاقد الشيء لا يعطيه فغالبية الآباء وخاصة في العالم القروي غير واعين بأهمية التعلم و بحقوقهم عامة، وأن الوزارة رفعت ميزانية الداخليات والمطاعم المدرسية بل لجأت بمعية شركائها لتقديم مساعدات مالية للأسر للحد من الهدر المدرسي و الرفع من مستوى التلاميذ - برنامج تيسير - فكيف يحتج من يفرح يوم يعود الأبناء من المدرسة لأن أعمالا كثيرة تنتظر الإنجاز، وبالكاد يحصل على قوت يومه وما يوفر به ضروريات العيش لأبنائه، وهو ما يقتضي تضحيات من رجل التعليم الذي هو صاحب رسالة سامية قبل أن يكون عاملا، مساهمة منه في تنمية وطنه ودعما لجهود الوزارة لا أن يزيد الطين بلة، ناهيك عما يطرحه الاستمرار في تلقي الراتب (الحق) دون عمل(الواجب) لفترة طويلة من تساؤلات.
إن كثرة الإضرابات لم تأت من فراغ ولا للاستفادة من أيام عطلة زائدة لدى السواد الأعظم من الموظفين، بل هي نتيجة تراجع إداراتهم عن اتفاقات سابقة (2)و طبيعية بالنسبة لكثير من قراراتها غير المدروسة، والتي أشعرت كثيرين منهم بالحيف، شعور ترجم أشكالا نضالية غير مسبوقة في المغرب، إلا أن ذلك لا يشفع لهم في ظل لا مسؤولية كثير من الإدارات في أن يمعنوا في انتهاك حقوق مواطنين محرومين مثلهم،لا حول لهم ولا قوة.
محمد ايت دمنات
http://sadakissane.blogspot.com/
1- مثلا اتفاقات كثيرة بين وزارة التربية الوطنية و النقابات الأكثر تمثيلية آخرها اتفاق 26 ابريل2011
2- هذا إن جاز لنا الحديث عن خسارة بالنسبة لمن لم يستوفوا بعد شروط الترقي حسب القوانين الجاري بها العمل ، مادام كل موظف يرتبط بعقد مع الوزارة يحدد الواجبات والحقوق .