كنت على وشك أن أحمل معي كتابا وألتحق بأولئك الذين قرروا الاحتفال بالقراءة، قبل أن أتراجع حين اكتشفت أن حملتهم هي أساسا ضد مهرجان موازين، كأن الغناء والموسيقى ضد مطالعة الكتب، وكأن هذا المهرجان سيمنع المغاربة من زيارة المكتبات وشراء الروايات والقصص.
يتميز بعض المغاربة بقدرة عجيبة على إفساد كل شيء جميل، كان المنظر سيكون رائعا، بأشخاص يجلسون وهم يقرؤون الكتب التي أحضروها معهم، إلا أنه يبدو أن القراءة هي آخر شيء يعنيهم، وبدل الكتب أحضروا معهم لافتات ومطبوعات ضد مهرجان فني.
أشخاص مثل هؤلاء لا بد أن يكون ذوقهم الأدبي سيئا، ولذلك أفسدوا وقفة كانت ستكون معبرة ورقيقة وحالمة وتستحق التشجيع.
من حق أي كان أن يعارض ما يحلو له، لكننا في المغرب نخلط دائما الأمور، فتكون النتيجة نضال أعرج وحكومة عوجاء، ولخبطة في كل شيء، وحتى الأشياء الجميلة التي لا تحتاج إلا للصمت نقوم بإفسادها هكذا ودون سبب واضح.
لقد تخلفت عن الحضور أيضا بسبب شعار الحملة المستفز، فأنا لا أقبل أن يأمرني أي شخص "نوض تقرا"، وقلت مع نفسي ما أنا بقارئ، وسأحتفل عكسهم بيوم في السنة بدون حمل كتاب في يدي، لأريح عيني ولأتخلص ولو لساعات من هذه العادة السيئة.
كان أبي ينهرني بأن أقرأ، بينما كنت كسولا وأفضل اللعب، وكان المعلم يضربني هو الآخر كي أجتهد، إلا أنني كنت ضد ثقافة الأوامر، وأقرأ دائما الكتب التي لا ينصحني بها أحد، كتب مارقة وغير تربوية وغير مهذبة، لأغيظ كل من كان يسعى إلى أن يمارس علي سلطته.
انفضت حملة"نوض تقرا" في النهاية بمطاردة رجال الأمن لأصحاب الوقفة، وتحول رجال القوات المساعدة إلى معلمين يحملون الهراوات ويلاحقون المثقفين حاملي الكتب، واختلطت الكتب بالعاطلين عن العمل، والعاطلون عن العمل برافضي مهرجان موازين، وبأولئك الذين يمرون في الشارع ويعاكسون الفتيات، فانعدم التركيز وتداخلت الحروف، لأن كل الذين تدخلوا لم يحضروا من أجل نشر ثقافة القراءة وتحفيز المغاربة على المطالعة.
رغم ذلك، كنت أتمنى أن أعرف ما هي طبيعة الكتب التي حملها أصحاب المبادرة، ومتحمسا لأرى عناوينها واحدا واحدا، وهل هي غالية الثمن أم في طبعات شعبية، وهل هي كتب دينية أم فكرية أم أدبية، وتساءلت ماذا لو جاء قارئ نزق بكتاب ماجن، ورآه معارضو المهرجانات، هل كانوا سيسمحون له بأن يشاركهم في الوقفة، وماذا لو تأبطت قارئة كتاب طبخ لشميشة، وأخرى كتابا لتعلم الرقص الشرقي، وقلت مع نفسي هل يحق لهما أن ينضما إلى عشاق الكتب، وبعد أن طرحت كل هذه الأسئلة أصبح رأسي ثقيلا، وصرت مثل الحمار يحمل أسفارا، يتعبني كل ما أقوله، فلا أفهم شيئا ولا أستوعب أبدا ما يقع.
حميد زيد مدير نشر "الشروق"