هم رجال أعماهم الطمع ليجعل أيديهم تمتد أملا في امتلاك حصة الأسد من الأموال والممتلكات التي ورثوها عن آبائهم، فقادت الأنانية البعض إلى الاستيلاء على نصيب شقيقاتهم، بدلا من الحفاظ عليه وحماية حقوقهن من خلال تقاسم التركة الأبوية وإياهن بالعدل،فيما قرر آخرون اللجوء إلى الحيل والطرق الملتوية لحرمانهن من حقهن في التصرف بحرية في إرثهن.
«غير تيمشيوا الوالدين تيمشي معاهم الخير كامل»، عبارة حاولت من خلالها نجاة تفريغ شحنة الغضب ومشاعر الحزن التي تولدت لديها، نتيجة تعرضها للغدر من الشخص الذي كانت تنتظر منه الحماية بعد وفاة والدها. ذلك الشخص لم يكن سوى شقيقها الذي أعماه الطمع ودفعه إلى الاستيلاء على نصيبها من إرث والدها.
«كون غير كان مخصوص…!»
انتقلت نجاة ذات الثالثة والأربعين عاما رفقة زوجها وابنيهما إلى منزل والدها بعد أن رحلت والدتها إلى دار البقاء، كي يتسنى لها القيام بواجبها في الاهتمام به وتلبية متطلباته، في الوقت الذي كان فيه شقيقها منغمسا في دوامة الحياة، و«لا يزور والده حتى في أيام العطل» تؤكد نجاة.
اختطف الموت والد نجاة بعد مرور سنتين، لتقرر الإبنة مغادرة بيت الأسرة الذي تحول بالنسبة لها إلى مكان موحش تملأه الذكريات الحزينة، والعودة إلى بيت الزوجية، الذي يبعد بمسافات طويلة عن بيت والدها الراحل.
«دازت أكثر من أربع سنين ما شفت خويا» تقول نجاة التي لم تتلق أي اتصال من شقيقها الوحيد طيلة تلك السنوات، إلى أن فاجأها في ذلك اليوم بزيارة غير متوقعة، اقترح عليها فيها فكرة تأجير المنزل الذي ورثاه عن والدهما، وظل مهجورا منذ وفاته، كي يستفيد كلاهما من عائد الكراء، وطلب منها منحه توكيلا كي يتمكن من مباشرة تلك المهمة بنفسه ومن إبرام العقود مع المكترين.
وافقت نجاة دون تردد على تسليم شقيقها «لوكالة» التي اعتقدت آنذاك أنها لا تمنحه سوى الحق في تأجير العقار، فهي لم تستطع حتى الاطلاع على مضمونها لأنها غادرت مقاعد الدراسة دون أن يتسنى لها تعلم أبجديات القراءة والكتابة، لكن ثقتها في شقيقها كانت عمياء، ولم تتصور للحظة أنه قادر على استغلال الوكالة في أمر يتعارض مع مصلحتها.
مرت أسابيع عديدة، انتظرت خلالها نجاة بفارغ الصبر مكالمة من شقيقها يخبرها فيها بأنه سيرسل إليها جزءا من مدخول الإيجار الذي تعول عليه لتحمل مصاريف أسرتها المتزايدة، لكنها ستتلقى الصدمة التي توقظها من أحلامها، عندما ستكتشف أن شقيقها استغل الوكالة لبيع العقار.
نزل خبر بيع العقار على نجاة كالصاعقة، لتتلقى بعده صدمة جديدة تتمثل في كون النصيب الذي حدده شقيقها لها من عملية بيع المنزل المكون من ثلاث طوابق لا يتعدى الأربعين ألف درهما. مبلغ كان في نظره كفيلا بتخليصه من وخز الضمير على فعلته، لكن ذلك المبلغ لا يوازي قيمة غرفة واحدة من المنزل حسب نجاة.
«كون غير كان مخصوص ميبقاش فيا الحال»، بنبرة يعتصرها الألم عبرت نجاة عن خيبة أملها في شقيقها، الذي استولى على إرثها بالرغم من كونه يمتلك مشروعا خاصا به يدر عليه أرباحا طائلة، في الوقت الذي تضطر فيه الأخت المغلوبة على أمرها لمزاولة مهنة «الحلاوية»، وتقضي اليوم بطوله في تلبية طلبات الزبائن لتأمين دخل إضافي لأسرتها الصغيرة.
عاجزة عن التصرف في إرثها
لا تقل فصول قصة مليكة مأساوية عن نجاة فهي بدورها وجدت نفسها في موقف لا تحسد عليه بعد وفاة والدها، وأصبحت في مواجهة مع شقيقها الأكبر، الذي قرر أن يضع يده على الأرض التي ورثتها عن والدها.
لم يكن الشقيق الأكبر يفتقر إلى الثروة فهو صار يملك بالإضافة إلى الثروة التي كونها من عرق جبينه حصة الأسد من إرث والده، بعد أن اشترى نصيب والدته وباقي الإخوة من الأراضي بمبلغ هزيل، لكنه كان يطمح إلى ضم تلك الأرض إلى ممتلكاته، كي يغلق المجال أمام زوج مليكة، الذي يتصور أنه يطمع في الاستحواذ على أكبر نصيب من الأراضي والتدخل في شؤونها.
«قال ليا نبيع ليه الأرض كيفما دارو خوتي»، تقول مليكة، موضحة أن شقيقها عرض عليها شراء حصتها بنفس المبلغ الذي اشترى به حصة والدتها وكل واحد من الإخوة، لكنها رفضت الأمر بشدة، ما أجج مشاعر الغضب في نفس شقيقها، الذي اعتبر مطالبتها بالحصول على مبلغ يوازي قيمة الأرض الحقيقية طمعا وحقا غير مشروع. فهددها بعرقلة عملية البيع بدعوى أنها مالكة لنصيبها على الشياع، ولم يتم تقسيم الأرض غير المحفظة بين مستحقيها الشرعيين.
«احنا اللي خدامين فالغيس أما انتي مرتاحة معا راسك فالمدينة»، كان هذا رد الشقيق الأكبر عندما أبدت مليكة استياءها من تعنته، وإصراره على امتلاك نصيبها بالمبلغ الذي يحدده، لا لذنب ارتكبته سوى أنها فضلت أن تعيش في المدينة، لأن الأخيرة ستضمن لأبنائها العيش في ظروف أفضل والاستفادة من فرصة التعليم، ولكونها تتوفر على كل وسائل الراحة والرفاهية التي لم تعد مليكة قادرة على الاستغناء عنها، عكس القرية حيث توجد الأرض الزراعية الخاصة بها، والتي تفتقر إلى التجهيزات الأساسية.
كانت مليكة تعقد آمالا كبيرة على دعم والدتها لها ومساعدتها على إقناع شقيقها بشراء نصيبها بالمبلغ المناسب، أو عدم الوقوف حجر عثرة أمام مشروع البيع، غير أن أملها سيخيب لأن الأخ سينجح في اجتذاب الأم إلى صفه، بينما سيفضل باقي الإخوة عدم التدخل والتزام موقف الحياد إزاء الصراع الأخوي، لتجد مليكة نفسها عاجزة عن التصرف في إرثها والاستفادة منه رغم أحقيتها في ذلك.
شادية وغزو