رمضان مصباح الإدريسي
" بنكيران آلالا,ومعاه الخلفي؛وجمهور دوزيم"
توطئة:
لم أصوت لصالح حزب العدالة والتنمية؛ لكنني حينما صوت على الدستور؛وضعت في حسابي أن جميع مقتضياته تلزمني ,كمواطن؛كما أن كل القوانين المستندة إليه- مهما تفرعت- تتضمن نفس ما يتضمنه من إلزام.
وقبل تصويتي ,كغيري ممن اقتنعوا بالنص الدستوري ,وما مهد له وأطره من خطاب سياسي رسمي؛ساهمت في الإقناع به ؛بحسن نية ,وقد أصابني ما هو موثق في هوامش مقالاتي من تعليقات ظالمة؛سامح الله أصحابها .
كانت ثقتي كبيرة في حرص الجميع على التنزيل السليم للدستور؛وبصفة خاصة الجهاز الحكومي الذي سيكلف به.لا أتحدث عن جهات أخرى لأني لا أعرف- من زاوية الخضوع للمحاسبة- غير هذا الجهاز التنفيذي.
أول شيء كان علي أن أقبله هو فوز حزب العدالة والتنمية ,ديمقراطيا؛وتكليف أمينه العام بتشكيل الحكومة. وما من مواطن, منخرط في العمل السياسي المشروع, إلا وعليه أن يقبل بهذه الحقيقة؛ لأنه قبل بكل مقدماتها , مداخلها ومقتضياتها.
المعارضة المتوحشة:
كانت لي,كغيري من المواطنين المهتمين بالشأن العام, ملاحظات ,لكنها لا ترقى إلى تبني موقف معارض كلية:
*الطريقة التي أديرت بها المفاوضات ؛وظهور أحزاب بمواقف "تدافعية" لا تشرف.
* اضطرار حزب فائز,انتخابيا,إلى تقاسم فوزه مع أحزاب تخالفه الرأي ؛كلا أو بعضا.
* الشعور المقلق بأن ضمن الحكومة وزراء, قد لا يتمنون نجاحها؛حتى لا أقول يعرقلون هذا النجاح.
* الاستهلاك الإعلامي لخطاب محاربة الفساد؛وفي نفس الوقت القبول بأسماء ,في الحكومة,يستبعد أن يكون لها نفس حماس رئيسها.
*الدفاع,من جهة, عن كوطة للنساء في البرلمان؛ومن جهة أخرى حرمانها منها في تشكيلة الحكومة.
رغم هذا قلت, بيني وبين نفسي, إنها حكومة أفرزتها الصناديق ؛ومصيرها ستحسم فيه الصناديق أيضا؛
وخارج هذه الآلية الديمقراطية,وخارج فرق المعارضة المعتمدة في البرلمان ,والتي يؤطر عملها قانونه الداخلي ؛ لا يمكن القبول بمعارضة متوحشة؛تتشكل كلوبيات ضغط لتحقيق مصالح شخصية أو قطاعية ؛وان تعارضت مع مصالح عامة المواطنين؛وان تعارضت حتى مع مقتضيات الدستور.
كما لا يمكن القبول بلوبيات النصرة,المتوحشة بدورها؛وان أخطأ هذا الوزير أو ذاك ؛وان صعب عليه –من قلة التجربة-التمييز بين مواقفه النضالية الحزبية ,ومسؤوليته الحكومية. ان منطق انصر أخاك ,مصيبا أو مخطئا,لا يقل ,ضررا,عن منطق عارضه ولو مصيبا.
وبين المنزلتين منزلة التولي ,والخذلان والسلبية ؛إزاء وطن بحاجة إلى كل أبنائه.
إن ديمقراطيتنا هشة؛لم ترق بعد إلى مستوى استيعاب ضغط اللوبيات؛كما يحصل في الديمقراطيات العريقة ؛حيث تتشكل,وتنشط بضراوة؛لكنها لا تخرق دستورا ولا قانونا؛كما أنها لا تستطيع أن تسقط الحزب الحاكم وحكومته إلا عبر الصناديق.
نحن لم نتقن السياقة العادية بعد؛حتى نسمح لأنفسنا بالسياقة الرياضية المغامرة.
أم المعارك:
هي معركة الإعلام؛وكل ما يأتي, بعد كسبها ,مجرد تفاصيل.
ليس صدفة أن يحرص الوزراء الخلص لرئيس الحكومة –خصوصا السيد الخلفي- على كسب هذه المعركة أولا ؛من خلال مشروع إعادة تأطير القنوات التلفزية العمومية ؛وفي نفس الوقت "ترويض النمرة": القناة الثانية.
هي نمرة ,باعتبار تنمرها منذ تأسيسها على الشريحة الواسعة من المجتمع,من حيث خطها التحريري,وخطابها الثقافي ,ولغتها العروسة.
بدأت تنمرها بحكاية"الديكودور" الغالي الثمن ؛ثم انتقلت إلى "فتوة" تفرض إتاوتها على كل الأسر ؛حتى خارج مجال التغطية.
انعكس هذا التنمر على إدارتها؛ باعتبار نوعية ,وتكوين, الأشخاص الذين يتولون تسييرها.
لقد توفرت كل الشروط التي تجعل من هذه القناة ركحا للنزال ,ومقارعة النصال للنصال:
من جهة وزراء صمموا على أن يختبروا – قبل المرور إلى السرعة الأعلى- مدى الاستعداد لتمكينهم من كل أدوات العمل ؛وعلى رأسها الإعلام.
ومن جهة أخرى لوبي ثقافي, سياسي و اقتصادي ضاغط ,غير مستعد ليسلم رقبته لسيوف العدالة والتنمية.
هولا يرى فيهم غير سيوف, لأنه مقتنع بأن خطابهم يقف على مسافة من الحداثة؛كما يفهمونها.
يرتكب هذا اللوبي ,في نزاله, أخطاء فادحة؛لأنه يعترض على اختصاصات خولها الدستور للحكومة؛بعد أن كان من أكثر الداعمين المتحمسين للدستور ,باعتبار أن مستجداته تشكل فلك النجاة ,الذي ركبه المغرب لعبور أمواج الغضب الشعبي العربي.
وهو يخطئ,أيضا, لأنه يتجاوز القنوات الرسمية للمعارضة,وحتى المشورة ؛حيث يمكنه أن يقدم البديل لدفاتر التحملات الإعلامية ,أو على الأقل استدراكاته عليها؛و يختار أن يسلك سبل الاستقواء على الشرعية ؛وهو لا يقدر أن غلبة منطقه ستعصف بمكتسبات أخرى ,وعلى رأسها هذا الذي نسميه استثناء مغربيا,ونفتخر به .
ويخطئ أيضا حينما لا يلتفت إلى المنهجية التي سلكتها وزارة الإعلام في بلورة تصوراتها الإصلاحية؛وهي منهجية قائمة على الاستماع إلى فاعلين آخرين في القطاع.ان معارضة الخلفي تتحول إلى معارضة كل من ساهم في مشروعه.
يضاف إلى هذا أن المشروع الإصلاحي أقرب الى الشريحة العريضة من المواطنين ؛وهي اليوم لا تفهم كيف يمكن لقناة مغربية أن تتمسك بالإشهار للقمار ,وعدم إذاعة الآذان ؛وعدم الرضى بحصة للفرنسية أقل من الحصة العربية.
ألا يفرض منطق المنافسة ,خصوصا والعرض وافر الى حد التخمة, أن تكون القناة مستقطبة وغير طاردة؟
هل تعلم هذه القناة أن فئتها المستهدفة افتراضا فقط, بخطها الإعلامي,لا تكترث كثيرا لمتابعتها؟
يبدو أن دفاتر التحملات-كما استوت بعد مشاورات- تستند أيضا إلى رصيد القناة الثانية ,من الفشل الإعلامي؛دون حتى إمكانية التذرع بنقص الإمكانيات. ويمكن دائما لوزير الإعلام الإدلاء بمستندات في هذا المضمار؛وقد وعد أن يفعل.
إذا كان الخلفي شجاعا, فهل له علم بالحرب؟
لقد صدرت عن الرجل ,وعن وزراء حزبه, تصريحات أربكت المشهد السياسي ,وأثارت نقاشا حول الهوية ؛وكأن المغاربة على وشك التحول الى دين آخر غير الذي يعرفون .هل هذا منهم ابتداء,أم أوردهم غيرهم هذا المورد؟
حينما كتبت مقالي موسم الهجرة الى إمارة المؤمنين ؛عقب التصريحات الأولى لعبد الإله بنكران؛كنت أعبر عن قناعة شخصية مفادها أن مقاتل بنكيران هي نفسها الفضائل التي حملته الى رئاسة الحكومة: الخطاب الديني ,الحاضرة بقوة-وان بتفاوت- في وجدان كل المغاربة .
ألا يكفي أن تكون الدولة ارتكبت خطأ السماح بقيام حزب على أساس ديني مشاع بين الجميع؛وحمال أوجه,ولو في فروعه فقط ؛مما يشجع ظهور تيارات مذهبية متشددة ؛لا تسلك سبل الديمقراطية في معارضتها؟
هاهو أحد وزراء العدالة والتنمية يواجه- بصفته هذه- تهديدا حقيقيا.لعل هذا يحدث لأول مرة في المغرب؛اذ لم يحدث أن هدد وزير للعدل – حتى في سنوات الرصاص- بالتصفية.
وقد اعتبرت,في المقال, أن هذا الشأن يدخل جملة وتفصيلا في اختصاصات إمارة المؤمنين.
ولعل الدول التي نخرتها المذهبية تغبطنا على هذه المؤسسة التي ترشحها التحولات المجتمعية لتضطلع بالمزيد من الأدوار في المستقبل؛تكريسا للأمن الروحي العقدي الذي تمتع به المغاربة منذ القديم.
من شأن هذه الوضعية أن تسعد الحكومة وتريحها ؛لتتفرغ الى ما ينتظره منها المواطنون؛في ما يخص أمور دنياهم.
ان القناعات النضالية يجب ألا تخالط تصريحات مسؤول رسمي في الدولة ؛فهو في الحزب ينتسب لحزبه فقط ؛وفي المنصب الرسمي ينتسب الى كل الأحزاب ؛وبصفة خاصة أحزاب الموافقة.
لا حظوا كيف هوجم الرميد وهو يصدر حكم قيمة عن السياحة؛ثم وهو يحادث المغراوي حديثا وديا ,ربما.بل سارع أحدهم الى اعتباره وهابيا.
هذا زلل ؛وأكثر منه أن يهاجمه عضو في الحكومة.
كان في وسع الخلفي أن يمضي في إعداد دفاتره دون تشهير ,مصيب أو مخطئ ؛هكذا اقتحاما وكأنه بصدد نقطة نظام في تجمع حزبي.
إن القمار في المغرب- كما الخمور- مؤسسي؛ يهم عددا كبيرا من المغاربة المقامرين, والأسر التي يعولها مشتغلون في مؤسسات القمار.
من واجبي ,كمناضل حزبي,أن أعبر عن رأيي ,وأجمع حوله الناس ؛لكن حين أصل الى المسؤولية يجب أن أفكر –أولا- في البدائل الاقتصادية.
بوسعنا أن ننجز الكثير ,ونقوم العديد من الاختلالات ,لكن بدون صخب إعلامي؛إلا إذا كان هذا الصخب هو المقصود.
ماذا استفاد المواطنون من كشف المستفيدين من الريع؟لقد وضعوا في موقف التحدي ,بل وتمسكوا بمأذونياتهم تمسك الرضيع بثدي أمه. ألم تكن هناك أساليب أخرى أفيد؛ بعيدا عن الصخب والتشهير؛وقد اعتبره البعض تكريما؟ ألم يكن من الأفضل استثارة الأريحية المعروفة لدى المغاربة,واستنهاض الهمم لحمل الميسورين على التخلي عن رخص النقل ,وغيرها,لتعاونيات شبابية مثلا؟
حينما ينجح برنامج إذاعي في بث روح التضامن المادي ,لفائدة المرضى المعوزين؛ألا تنجح حكومة كاملة في وضع أثرياء الريع أمام حاجات حقيقية للمواطنين؛ متوقفة على تخليهم على ما استفادوا منه ردحا من الزمن.
لو خصصت حلقة تلفزيونية للإعلان عن أسماء المتبرعين,من أصحاب الريع, لكانت النتيجة أفضل من مجرد الكشف عن لائحة.كانوا سيتحمسون ,وكنا سنصفق لهم ؛ولن يفكر أحد,بعدها,في محاكمتهم .
من يدافع عن القناة الثانية؟
بالتأكيد,ليس مديرها ,ولا رئيسة التحرير فيها ,ومن والاهما من الموظفين ؛لأنهما منفذان فقط لسياسة الحكومة ,في مجال الإعلام؛وليس لهما ,ولا ينبغي لهما,أن يخوضا في أمور لاتخصهما.
إن هذه السياسة تستند الى دستور البلاد,والى الثقة الملكية؛والى التصريح الحكومي الذي صادق عليه مجلس النواب. ولم يعرف لأطر القناة ,في ما قبل,موقف معارض,ومعلن, لهذه السياسة؛وحتى لو كان لهم رأي مخالف ,فهو لا يعدو أن يكون رأيا يخصهم كأشخاص.
يسمح القانون للموظف؛إذا لم يكن موافقا على ما تطلبه منه الدولة- بصفته هذه- أن يقدم استقالته.
أما أن يواصل أداء مهمته ؛بالكيفية التي يرتضيها لنفسه؛ضدا على رؤسائه, فهذا لا يقره قانون ؛في المجال العمومي.
فمن أين تنمر النمرة؟
ومن أين استئساد برلماني ,من حزب العدالة والتنمية,و صولا الى التهديد باللجوء الى الشارع ليحسم في دفاتر التحملات؟
كلاهما يصدر عن مرجعية متوحشة,ومتمردة ؛لم تسلم القياد,بعد, لقواعد الديمقراطية,وللمواطنة ,كما تتوخى أن تكون ,وفق مفهوم جديد لها.
لم يقتنع البرلماني بمجلس النواب ؛وقد أفرزه ,بطريقة قانونية,الشارع؛ ليهدد باللجوء ,بطريقة فوضوية,الى هذا الشارع بالذات.انه في هذا لا يختلف عن البرلماني الذي اختار, بدل الدفاع عن مصالح الناس,وضمنها مصالحه؛ أن ينتهز فرصة تواجد جلالة الملك,بمجلس النواب, ليعلن مباشرة عن حاجته؛اختصارا للطريق..
أما النمرة فقد خولت لنفسها صفة ليست لها ؛فراحت تعترض على الحكومة والبرلمان معا.
وحتى لو كانت جهة ما قد خولت لها الدفاع عن القناة ؛فعليها أن تعي أن أحسن دفاع ليس ما يهزم الخلفي بل ما يكسبها جمهورا واسعا؛وفي هذا لا دفاع أفضل من دفاتر التحملات..
"ألالا سميرة: الدوزيم عروسة لمغاربة, يلبسوها كي بغاو".
Ramdane3@gmail.com
Ramdane3.ahlablog.com