|
|
|
|
|
أضيف في 22 أبريل 2012 الساعة 47 : 22
أحمد عصيد
تمتدّ المعركة من أجل تحرير وسائل الإعلام إلى بدايات النضال الديمقراطي في المغرب، من أجل الحرية و الكرامة، وحق التعبير للجميع، وكانت المطالب تتمثل أساسا وما تزال في: رفع وصاية السلطة التي جعلت من وسائل الإعلام منابر للطبقة الحاكمة لتمرير إيديولوجيتها الخاصة، وإفساح المجال أمام حرية التعبير والإبداع، أمام النخب والجماهير على السواء بشتى تياراتهم الفكرية والمذهبية والسياسية، وبمختلف حساسياتهم الفنية والأدبية، وجعل وسائل الإعلام تعكس تفاصيل النقاش العمومي فيما يشغل الناس، وكسر طابوهات السلطة والمجتمع التي تعرقل التطور وتحجر على الحريات، واحترام التنوع الثقافي واللغوي والديني للمجتمع وعكسه من خلال البرامج الإذاعية والتلفزية التي تأخذ بعين الإعتبار كل مكونات المجتمع المغربي، ومعالجة قضايا الواقع المغربي بوضوح وشجاعة وبدون لف أو دوران أو لعب على الحبلين أواعتماد لغة الخشب العقيمة، وإفساح المجال أمام المواهب الحقيقية بناء على الكفاءة ومحاربة المحسوبية والزبونية، واعتمادات تكافؤ الفرص وتحجيم المافيات الإدارية والتجارية المهيمنة على حقل الإعلام.
وقد اتخذ وزير الإتصال السيد مصطفى الخلفي قرارات عديدة تدخل في إطار هذه الأهداف النبيلة، وهي قرارات لا يمكن إلا أن نثمنها ونثني عليها، وننوه بالجهود التي بذلها في سبيل ذلك، غير أن الوزير بالمقابل اتخذ قرارات لا تدخل ضمن المطالب الديمقراطية ، وإن كانت تدخل ضمن أجندة التيار الديني المتشدّد، الذي يجعل من بين "حقوقه" تكريس آليات الزجر والحجر على من هو مختلف في الرأي أو المذهب أو الفكر أو الثقافة، وفرض آليات الدعاية الدينية وفق الرأي الواحد، وهذا يتعارض مع الديمقراطية في وسائل الإعلام، التي ينبغي أن تكون للجميع، كما اتخذ قرارات أخرى يبدو أنها غير ذات أهمية ولا ترمي إلى أكثر من إعلان بصمة الوزير الإسلامي وحفظ ماء الوجه أمام الأتباع، غير أن ذلك لا ينبغي أن يؤدي إلى الإضرار بأي طرف أو المسّ بحقوقه، أو إعادة تشكيل الوعي العام للمغاربة بطريقة تبعدهم بالتدريج عن مبادئ الوعي الديمقراطي وثقافة التسامح والوسطية التي من المفروض أنها السبيل الوحيد لإنجاح الإنتقال نحو الديمقراطية بشكل سلمي، وفي إطار التطور الطبيعي للمجتمع.
ضمن القرارات التي أعلنها الوزير حظر ألعاب الرهان وفرض الآذان على الدوزيم وحذف نشرة اللغة الفرنسية وفرض اللغة العربية الفصحى في إطار محاربة علنية للدارجة المغربية، جاء هذا لتصفية حساب قديم بين حزب المصباح وهذه القناة ، بسبب توجهها الذي لم يكن يُرضي حزب البيجيدي وإن كان قد لقي نجاحا كبيرا في مرحلة ما لدى فئات عريضة من الشعب المغربي، ومن بلدان الجوار أيضا، هذا قبل أن تنقضّ السلطة على هذه القناة وتغصبها على الإمتثال لوصفاتها المملة، وقبل أن يأتي إخواننا المتشدّدون في الدين ليجهزوا على ما تبقى من صورتها الجميلة، ويحاولوا تحويلها إلى صندوق دعاية لهم.
والمناقشة التي نريدها مع السيد وزير الإتصال هي التالية: إذا كان السيد الوزير قد تذكر فئة المواطنين المصلين في المجتمع وعمل من أجل خدمتهم بإقرار الآذان في الدوزيم، فكيف نسي فئة الفرنكوفونيين من المغاربة الذين يستفيدون أيضا من نشرة الفرنسية، وما هي "الحكمة" من حذف هذه النشرة إذا كانت اللغة الفرنسية لغة مُدرّسة في التعليم العمومي المغربي مثل العربية، وهل يعتقد الوزير من منطلق قناعاته الخاصة أو قناعات حزبه أن لا أحد يستفيد من تلك النشرة ما دام هو لا يهتم بها، و كيف يستطيع الجزم بذلك ؟ وهل هذا قرار ديمقراطي ؟ إذا كان الجواب بالإيجاب فسيكون علينا إذن إعادة تحديد مفهوم الديمقراطية مع السيد الوزير.
من جانب آخر إذا كان الآذان في مصلحة المصلين فإن الدبلجة بالدارجة واستعمال لغة الشعب قد حظي برضى واستحسان فئات عريضة من المجتمع، هذا ما لاحظناه بأم أعيننا ولا يمكن لأحد التشكيك فيه، وهو السبيل الوحيد لجعل غالبية المغاربة يتواصلون مع وسائل إعلام بلدهم عوض احتكار هذه المنابر من طرف بعض النخب فيما بينها، فكيف قرّر الوزير إعدام الدارجة المغربية لغة 85 في المائة من المغاربة إرضاء لإيديولوجيا يعرف الجميع غربتها عن واقع الناس في بلادنا. هل مثلا تخصيص برامج للغة الأمازيغية المعيار، لغة المدرسة ـ وهو قرار حكيم ـ سيجعلنا نعدم تاريفيت وتامازيغت وتاسوسيت التي هي لغات الشعب، بالطبع لا ؟
وإذا كان الآذان والدروس الدينية في مصلحة بعض المواطنين المهتمين بالوعظ الديني، فإنّ ألعاب الرهان خدمة في مصلحة الممارسين لها وهم أيضا نسبة لا يستهان بها من المواطنين، وهم لا يعتبرون تلك اللعبة المسلية بالنسبة لهم أمرا سلبيا أو اعتداء على حقوق غيرهم أو خرقا للقانون ـ مادام القانون لا يمنع هذه الألعاب ـ ويبدو أن ما تغلب على هذا القرار هو الأهواء الحزبية للوزير وليس النظرة الديمقراطية المنصفة، فوجهة نظر وزير الإتصال الشخصية أو موقف التيار السياسي الذي ينتمي إليه لا يمكن أن يصلا إلى الحسم في مثل هذه الأمور بطريقة الحظر والمنع لأن ذلك ليس من حقهم.
المفارقة في هذا الموضوع هو أننا نعلم بأن مثل هذه التدابير قابلة للتنفيذ على الفور، لأن لوبيات السلطة لن تعترض عليها، بينما إقرار الحريات وفتح وسائل الإعلام على المجتمع وتنفيذ المطالب الديمقراطية الفعلية التي تنتظر منذ عقود سيكون بالتأكيد قرارات قد لا تتحقق إلا بجهد جهيد وفي وقت غير يسير، وهذا معناه في النهاية أن إضافة حقنة زائدة من التديّن الشكلي لوسائل الإعلام هو من أسهل التدابير التي يمكن اتخاذها وتنفيذها، لكنها للأسف ليست هي التي ستحرر المغاربة من ثقافة الإستبداد، لأن الخطاب الذي يهيمن حاليا على الحقل الديني ـ حتى لدى "المعتدلين" من الدعاة والفقهاء ـ يتعارض مع مكاسب البشرية في الحقوق والحريات ويطمح إلى العودة بالمجتمع إلى ممارسات سيئة أثبت التاريخ أنها كانت أساس تخلف المسلمين منذ قرون.
هذا من جهة، أما من جهة أخرى فإن المعضلة التي يبدو أن الإسلاميين على وعي تام بها، هي أنهم بإكثارهم من البرامج الدينية في وسائل الإعلام إنما يخدمون أهدافهم الإنتخابية بشكل واضح لا غبار عليه، إذ باستعمالهم للدين في خطابهم الدعائي، يضمنون مع تقدم مسلسل الأسلمة المتشدّدة للوعي العام، توسيع الكتلة الناخبة التي في صالحهم، ولو مؤقتا، ما دام لا يمكن استغفال المواطنين إلى ما لا نهاية.
إننا لا ندعو بهذا إلى إقصاء الخطاب الديني من المشهد الإعلامي لأنه خطاب موجود في المجتمع ولأصحابه حقهم في التعبير عن توجهاتهم وآرائهم، و لكن ليس لوحدهم، أو باعتبارهم يمثلون خطاب الحقيقة، لأنهم في النهاية بشر يرتكبون باسم الدين أخطاء فادحة يجنون بها على غيرهم، وقد ظهر ذلك بالملموس على صفحات جريدة "التجديد" من خلال آراء "المفتين" الوعظية التي كانت في كثير منها خارج التاريخ ولا تأخذ بعين الإعتبار تطورات المجتمع ولا المعارف العلمية لعصرنا ولا قيم حقوق الإنسان، مقدمين بذلك صورة سيئة عن الإسلام الذي يتحدثون باسمه.
ولهذا فتدخل رجل الدين في وسائل الإعلام العمومية في القضايا التي تشغل المجتمع، ينبغي أن يكون بوصفه طرفا بين أطراف أخرى، إذ لا بدّ من استحضار وجهة نظر السوسيولوجي والسياسي والمسؤول الجماعي والمربّي والأديب والفنان أحيانا وغيرهم من الأطراف المنتجة للخطاب والفاعلة في المجتمع، ولا يمكن بأي حال أن تتناسل البرامج الدينية حيث الخطاب الوحيد والفكر الأوحد إلا في إطار الدولة الدينية الشمولية التي هدفها فرض منظور واحد على المجتمع، وحجة الإسلاميين في قولهم إن المجتمع يريد ذلك حجة باطلة، لأن المجتمع يريد الإستفادة، ويريد المعرفة والتوعية، وليس رجل الدين وحده من يملك مفاتيح ذلك.
لقد اعتبر السيد وزير الإتصال أن قراراته كانت في إطار تنزيل الدستور، ونتيجة لقاءات تواصلية مع مختلف الأطراف، ويبدو أن "بعض الأطراف" قد تجاوزت حدودها باقتراح أفكار تهدف إلى النيل من غيرها والإساءة إليه باسم الدين أو التقاليد، وكان على الوزير أن يميّز بين المطالب الديمقراطية والتي ليست كذلك، عوض إقحام تدابير غير ديمقراطية وسط العديد من التدابير الإيجابية، لأنه وزير في حكومة مغربية وليس وزيرا في خدمة حزبه، كما أن تنزيل الدستور إنما يتمّ في إطار تأويل ديمقراطي كما اتفق الجميع على ذلك، وليس في إطار قراءة تتعارض مع الحقوق والحريات المتعارف عليها.
|
|
2660 |
|
0 |
|
|
|
هام جداً قبل أن تكتبو تعليقاتكم
اضغط هنـا للكتابة بالعربية
|
|
|
|
|
|
|
|