ربما لم يخطر ببال شباب مصر الذين ثاروا على نظام مبارك أن ظروف عملهم ستسوء بسبب تأثير الأوضاع السياسية المضطربة سلبيا على اقتصاد البلاد. ففرص العمل تتضاءل يوما بعد يوم ما يفرض تساؤلات حول مستقبل الشباب المصري.
تنقسم آراء الشباب المصري حول أسباب تدهور الأوضاع الاقتصادية. فالبعض يؤمن بأن المجلس العسكري يخلق تلك الأزمات كي ينصرف المواطنون عن متابعة الأحداث السياسية، بينما يرى آخرون بأن كثرة الاحتجاجات والإضرابات العمالية تسببت في تعطيل عملية الإنتاج وامتناع المستثمرين عن استكمال أنشطتهم التجارية بمصر مما تسبب في فقدان الكثير لوظائفهم. ليس هذا فحسب، بل يذهب البعض لتصديق وجود مؤامرة بواسطة فلول النظام السابق بما يمتلكون من مشاريع اقتصادية في خلق مشاكل تؤثر سلباً على الإنتاج.
ويعتمد الاقتصاد المصري بشكل كبير على السياحة، التي تأثرت بدورها وبشكل ملحوظ نتيجة للاضطرابات الأمنية وعدم توفير الحماية التامة للأماكن السياحية. ويقدر عدد العاملين بالقطاع السياحي بحوالي ثلاثة ملايين ونصف شخص أغلبهم من الشباب حيث فقد العديد منهم وظائفهم. ويكشف "أيمن" وهو أحد المرشدين السياحيين أنه أنهى دراسته الجامعية قبل اندلاع الثورة بشهور قليلة وتفاءل بقيامها بالقضاء على الفساد والمحسوبية ولكن قلة أعداد السائحين أدى إلى فقدانه لعمله الجديد ما أنهى مستقبله المهني مبكراً واتجه للأعمال التجارية بحثاً عن الدخل المناسب.
تتعدد الأسباب والنتيجة واحدة
مشكلة البطالة لم تتوقف فقط على الخريجين أو الشباب الذي يبحث عن فرص عمل. فالأزمة طاولت أيضاً أصحاب المشروعات التجارية مثلما يوضح يحيى إبراهيم، صاحب مشروع تجاري، لموقع DW عربية أن "القلق أصاب المواطنين خوفاً من حدوث أزمات اقتصادية فأدى ذلك إلى زيادة الادخار وقلة النشاط التجاري وبالتالي إفلاس العديد من الشباب ممن يمتلكون مشروعات خاصة لجأووا إليها بعد إهمال الحكومة لهم. ويتساءل إبراهيم "هل تهتم السلطات فقط بقمع التظاهرات ولا يعنيها النهوض بالوضع الاقتصادي المتردي؟ أم أن الثورة لم تصل بعد إلى القائمين على السلطة كي يهتموا بالشباب؟".
ويضطر الشباب من المتخرجين من الجامعات للعمل بوظائف لا تتوافق مع مؤهلاتهم العلمية كما يوضح محمود علي، المتخصص في الكيمياء. ويضيف علي لموقع DW عربية أنه اضطر للعمل كمندوب تسويق رغم دراسته للكيمياء البيولوجية لكن وكما يقول بأن الشركات حالياً لا تهتم بالأبحاث العلمية أو التطوير قدر اهتمامها بتعويض خسائر الأرباح لذا فهو مضطر للعمل في أي مهنة أفضل من لا شيء.
ورغم أن السفر للخارج كان طوق النجاة لدى الشباب الذي لا يجد فرص عمل بمصر إلا أنها الآن أصبحت فكرة صعبة التنفيذ لعدة أسباب أهمها الاختلاف السياسي بين التيار الإسلامي في مصر ممثلا في جماعة الإخوان المسلمين وبين بعض الدول العربية الغنية بالنفط. وحسب محمود فإن الطرفين ليسا في حالة توافق وظهر ذلك خلال تصريحات متبادلة بين مسئولين من بعض الدول العربية وقيادات بجماعة الإخوان المسلمين.
الثورة عمل بلا أجر
ويميل بعض الشباب إلى الانخراط في الحياة السياسية مؤقتاً حتى يجدوا فرصة عمل مناسبة. ومن هؤلاء مهندس الكهرباء الذي قدم نفسه لموقع DW عربية باسم عمرو. عمرو يرى أن الثورة أثرت سلباً على مستقبله المهني ورغم ذلك يشارك في التظاهرات المؤيدة لمطالب للثورة حتى تتحقق. عمرو يسخر ممن يتهمون شباب الثورة بأنهم يتلقون دعما خارجيا لذلك ليسوا بحاجة إلى عمل ثابت بالقول: "فليخبرونا عن أصحاب تلك الأموال فقد نجد وظيفة مناسبة عندهم".
وفي حوار مع موقع DW عربية يرى الباحث في الاقتصاد وأستاذ الاقتصاد الدولي بجامعة القاهرة حمدي عبد العظيم أن سبب تفاقم تلك الأزمة يرجع لزيادة حالات إفلاس الشركات الخاصة وهروب رؤوس الأموال الأجنبية وانخفاض الطلب على العمالة الجديدة، بالإضافة إلى توقف بعض الدول العربية عن استقطاب عمالة مصرية لأسباب أمنية.
ويضيف عبد العظيم قائلا: "رغم أن البورصة المصرية سجلت ثاني أعلى ارتفاع بين أسواق المال العالمية خلال الربع الأول من العام الحالي إلا أنه بالمقابل ارتفع حجم الديون بسبب عجز الحكومة الحالية عن خلق مشاريع اقتصادية تزيد عملية الإنتاج. الحكومة عاجزة أيضا عن تنفيذ وعودها بدفع إعانات بطالة لمن فقدوا وظائفهم بدون سند قانوني".
ويرى أستاذ الاقتصاد الدولي أن الحل المؤقت لعلاج هذه الأزمة "يتمثل في إنشاء مشروعات حكومية مشتركة مع القطاع الخاص ومحاولة جذب الاستثمار عبر تسهيلات لإنشاء المصانع الجديدة وإخراج النشاط الاقتصادي من حالة الركود المسيطرة عليه الآن". عبد العظيم يتحدث أيضا عن إمكانية الاعتماد على "الصناديق الخاصة" التابعة للجهاز الإداري الدولة، التي تقدر بحوالي تريليون جنيه في تمويل مشروعات صغيرة للشباب دون الحاجة للقروض الخارجية.
أحمد أبو القاسم– القاهرة
مراجعة: أحمد حسو