لمست في الحوار الذي أجرته الجريدة مع مدير القناة الثانية، خوفا حقيقيا على مصير الفعل التلفزيوني المغربي، ومستقبل الفرجة التلفزيونية إن هي خضعت للشروط التي نزَلت بها دفاتر تحملات وزارة الاتصال. سأتوقف عند صعيد واحد من أصعدة هذا الخوف المشروع. إنه الجانب المتعلق بالتلفزيون من حيث هو أداة للفرجة والترفيه.
المحافظون يخافون من الترفيه. يخشون على المشاهدين من عفاريت «النشاط» وشياطين الضحك. المحافظون يؤمنون بأن الفرجة التلفزيونية شر لابد منه. فعل يندرج في خانة عبادة التماثيل والصور. لهذا ينبغي على أولي الأمر القائمين على الشأن التلفزيوني أن يجعلوا منها فرجة جادة وهادفة. فرجة تتحقق فيها الشروط الشرعية كما يتصورها عقلهم الرسومي والمتحجر المعادي لأشكال الفرح ومظاهر الاحتفال.
لماذا كل هذا الخوف من الترفيه؟ لأن الترفيه له صلة باللهو واللعب والهزل. فعل محفوف بخطر الغواية، يطلّق أثناءه المتفرِج الجد، ويتخلى عن التعقل. يصير طيلة مدة فرجته كالنائم في ما يرى من صور، أو كالطفل الغارق في لهوه ولعبه. ترتفع عن المتفرج أحكام التكليف إلى أن ينتبه من صور فرجته، ويعود إلى حكم القانون. هذا ما يدعو إلى طرح سؤال: ما الهدف الحقيقي من دفاتر التحملات المفروضة على القنوات التلفزيونية.
يتمثل الهدف المبطَن خلف ظاهر دفاتر التحملات في إعلان الحرب على هذا النمط من أشكال الفرجة التلفزيونية. الفرجة القائمة على الهزل، تسكنها شياطين الغواية والتهتك. أمر يقتضي، بالتالي، صَرْع دوزيم وتخليصها من الشياطين التي تستوطن شبكة برامجها.
يراهن المحافظون على طرد هذه الكائنات الشيطانية المتخصصة في الغواية من شاشة التلفزيون المغربي، وتطهير شبكة برامجه من رجسها، لأنهم يريدون مشاهِدا «مُخَنْزِرا». يريدون متفرجا جديا متطرفا في جديته حد «التغوبيش» و«التخنزير». هذه هي صفة المشاهِد المستقيم على مذهب عبدة متون السلف المتحجِر، ووحدهم الأطفال لهم الحق في الفرجة الترفيهية في انتظار بلوغهم سن التكليف.
كلنا أطفال أمام الشاشة الصغيرة، والترفيه حق من حقوقنا، وعاشت الفرجة وعاش الترفيه كما في جميع التلفزيونات الحرة والمستقلة، و«الله يبيتها عند المغوبش» كما يقول المغاربة المحبون للحياة إن استطاعوا إليها سبيلا، ولو بالضحك والتنكيت واستثمار أي لحظة فرح حتى ولو كانت في عرس الجيران.
جمال زايد