يدرك عبد الإله بنكيران ومصطفى الخلفي وأحمد الريسوني جيدا أهمية التلفزيون في تأطير المجتمع. يستحضرون الدور الفعال الذي لعبته قناة الجزيرة القطرية في تأهيل المغاربة للتصويت على الحزب الأصولي في الانتخابات الأخيرة وتمكينه من قيادة الحكومة.
في تلك الفترة كان الإسلاميون، وخاصة مصطفى الخلفي من موقعه مديرا لجريدة "التجديد"، يعتبرون قناة "دوزيم" النقيض الرئيسي لقناة الجزيرة. حينما تحتفل الجزيرة بالإرهاب وأسامة بن لادن وطالبان، تجتهد "دوزيم" في الرقص والغناء. كأنها امتداد للمهرجانات الفنية التي وصف الريسوني روادها بـ"الشياطين" في مقابل المسلمين المقبلين على أداء صلاة التراويح في المساجد.
إنها طريقة سخيفة لمواجهة الإرهاب والدفاع عن العقلانية والتسامح، خاصة حينما تقترن بإقبار كل فضاءات النقاش السياسي الحر التي كانت تتميز بها "دوزيم"، وغياب أية مبادرة للدفاع عن قيم العقلانية والنسبية بشكل جدي لم يكن ليفسد للترفيه قضية. مع ذلك نالت هذه المنهجية السطحية التي اتبعتها دوزيم من الإسلاميين وجعلوها هدفا لهم. استوديو دوزيم وغيره من برامج الرقص والغناء تواكب وترسخ نموذجا مجتمعيا يكرهه الإسلاميون. الرقص والغناء وما ينطويان عليه من تحرر المرأة وتطبيع المجتمع مع جسدها يهدد منطق الإسلاميين المنبني على الضبط والتحكم باسم الدين.
تقتضي قواعد الديمقراطية أن يتحكم الخلفي اليوم في سياسة دوزيم وغيرها من قنوات القطب العمومي الإعلامي من خلال الإشراف على إعداد دفاتر تحملات هاته القنوات وعرضها على الهيأة العليا للاتصال السمعي البصري كي تصادق عليها. كما كان متوقعا بضم الخلفي دفاتر التحملات هاته بالطابع الإخواني الذي يفترض أن المجتمع المسلم ليس مسلما كما ينبغي أو أن إسلامه تشوبه شوائب وينبغي تقويمه.
النصر الكبير الذي حققه الخلفي وبنكيران والريسوني أنهم استطاعوا بدون أدنى جهد ترسيخ هاته الفكرة في الأذهان. الكل صار يتحدث عن "أسلمة" القناة الثانية وكأنها كانت في عصر الجاهلية قبل ظهور بنكيران، الذي شبهه محمد يتيم بالنبي في إحدى اجتماعات البرلمان. خطورة استغلال الدين في السياسة جعلت معارضي دفاتر التحملات التي أعدها الخلفي يسقطون بحسن نية في هذا الفخ. أصبحوا يظهرون في صورة المعارضين لـ"أسلمة" الإعلام التي يريدها الوزير.
لا يتعلق الأمر بأسلمة لأن دوزيم ببساطة كانت دئما مسلمة.
التعبير الحقيقي عما يهدف إليه الخلفي هو التضييق على حرية التعبير. ما معنى أن يفرض وزير الاتصال على صحافيي دوزيم استضافة "رجال دين"، كما ينبه لذلك أحمد الشامي البرلماني الاتحادي في مقاله حول الموضوع، في البرامج الحوارية السياسية والاجتماعية التي يلزمهم بإعدادها بموجب دفتر التحملات؟ ما شأن الوزير باستضافة الضيوف في برامج القناة؟ ما الذي يمكن أن يقدمه "رجال الدين" للمشاهدين في قضايا السياسة والمجتمع التي يفترض أن تناقشها تلك البرامج؟ أي موقع سيحتله رأي رجل الدين في تلك القضايا علما أنه لن يتكلم إلا من منطلق فهمه للإسلام؟ هل سيحق لأحد مناقشة رأي رجل الدين المستند على الإسلام في قضية ما؟
ليس هذا البند معزولا عن سياقه. إنه جزء من مشروع الإخوان في العدالة والتنمية لرهن الحرية بفهمهم للدين. الريسوني يؤكد أن أمير المؤمنين يجب أن يخضع لوصاية العلماء، والخلفي ينفذ مخضعا الصحافيين في القناة الثانية وجمهور برامجهم لوصاية "رجال الدين".