|
|
|
|
|
أضيف في 18 أبريل 2012 الساعة 37 : 11
يشهد المغرب جدلا غير مسبوق حول حضور الدين في التلفزيون بعد إجراءات اتخذت ضمنها منع بث وصلات اعلانية لألعاب الحظ والدردشات الحميمية. ويتبادل الإسلاميون والعلمانيون اتهامات وانتقادات لم تهدأ حدتها حتى الآن.
يشهد المغرب حاليا نقاشا ساخنا حول الهوية الدينية في الإعلام بعدما قامت الهيئة المغربية العليا للاتصال السمعي البصري بالمصادقة على دفاتر تحملات جديدة (لائحة شروط ومعايير للبرامج) للقنوات التلفزيونية العمومية، حيث سيتم منع بث الوصلات الإعلانية الخاصة باليانصيب وألعاب الحظ والمحادثات الحميمية، وبالمقابل توسيع الحصص المخصصة للبرامج الدينية. قرار الهيئة ينتظر أن يدخل حيز التنفيذ بداية شهر مايو أيار المقبل، وقد فجر منذ صدوره سجالا كبيرا في الأوساط الاعلامية والسياسية بالمغرب. فقد ذهبت أوساط ليبرالية وعلمانية لاعتباره "انقلابا" في المشهد الاعلامي المغربي تهدف من ورائه الحكومة التي يتزعمها الإسلامي عبد الإله بنكيران إلى "أسلمة" قنوات التلفزيون المغربي التي تملكها الدولة. وفي حوار وصف الكاتب الليبرالي ادريس كسيكس الاجراءات الجديدة بأنها عبارة عن وصفة "حلال" للتلفزيون المغربي، على حساب قيم الحداثة والتعددية.
بينما يقول محمد يتيم القيادي في حزب العدالة والتنمية ذو التوجه الإسلامي، بأن الاجراءات الجديدة تهدف إلى تعزيز الهوية الدينية والثقافية للمجتمع المغربي. واستغرب يتيم موجة الانتقادات هاته معتبرانها "مغرضة" على أساس أن مرجعية المغرب الدينية واضحة.
"إعلام حلال"
وزير الاتصال والناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى الخلفي، يُنظر له على أنه "مهندس" عملية "أسلمة" الاعلام التلفزيزني المغربي، فقد تضمنت خطته توسيعا للحصص المخصصة في القناتين الأولى والثانية المملوكتين للدولة، للبرامج الدينية بـ 52 دقيقة أسبوعيا، وبث آذان الصلوات الخمس وخطبة الجمعة. ومنع بث الوصلات الاعلانية للمراهنات واليانصيب وتوقعات الابراج والدردشات الحميمية. ويعتقد منتقدو الحكومة أنها تنفذ خطة شاملة لإضفاء "طابع اسلامي" على مناحي الحياة العامة والإعلام، وهو ما يهدد الحريات العامة والشخصية ويعرض مكتسبات الحداثة والعلمانية في البلد للتراجع.
وقد وصلت الانتقادات إلى أركان الائتلاف الحكومي، حيث انتقد وزير الشباب والرياضة محمد أوزين المنتمي لحزب الحركة الشعبية الليبرالي ذو التوجه الأمازيغي، صراحة خطة زميله وزير الاتصال، فقد أعرب أوزين لصحيفة "المساء" المغربية عن معارضته "للمقاربة الدينية" للوزير الخلفي: وأضاف هو "وزير اتصال وليس مفتي أو فقيه يحلل ويحرم".
بيد أن ادريس كسيكس الكاتب الليبرالي المعروف بتوجهه العلماني، يرى أن المشكلة في خطة الحكومة تتجاوز الوزير الخلفي أو حزبه الاسلامي، وتكمن في الدستور الذي خضع إقراره "لضغوط من حزب العدالة والتنمية على حساب حرية المعتقد، وتم تضمينه عبارة دولة إسلامية". ولاحظ كسيس ان ما يقوم به حزب العدالة والتنمية اليوم ليس بنظره سوى تطبيقا للدستور الجديد(أقرَ في أول يوليو 2011) في خضم الربيع العربي. وبما أنه حزب أصولي محافظ فإن تأويلاته للدستور لا تخرج عن اطار "المغالاة والتشديد على الهوية والانتماء الديني". لكن محمد يتيم القيادي في حزب العدالة والتنمية، يؤكد بان "حزب العدالة والتنمية لا يختزل اهتماماته في قضايا الدين" ويضيف "نحن لسنا في بلد علماني والدستور حدد هوية الدولة".
وفي مؤشر على تنامي حضور الدين في سياسات المغرب، بعد وصول الاسلاميين للحكم، يرصد عبد الوهاب الرامي، أستاذ في المعهد العالي للإعلام والاتصال في الرباط، ان مرجعية حزب العدالة والتنمية الاسلامية ساهمت في "رفع الهوية إلى درجة المقوم الحضاري الذي يتعين على الاعلام العمومي الحفاظ عليه" وبالتالي أن يتجلى ذلك في الهوية الاعلامية للتلفزيون المملوك من قبل الدولة.
صراع إسلامي - علماني حول الاعلام
ولا يتوقف الجدل حول الاجراءات الجديدة في ميدان التلفزيون المغربي، على الاطار المرجعي سواء الديني أو الدستوري، بل يتعداه إلى مخاوف بعض الأوساط الليبرالية، على مكتسبات التعددية والحرية التي تحققت عبر عقود في البلاد، واستبدالها بنمط جديد من "الاعلام الديني"، وهو مصطلح لا يفضل الباحث في مجال الاعلام، عبد الوهاب الرامي، استخدامه لتوصيف التغييرات التي يشهدها الحقل الاعلامي المغربي. ويعتقد الرامي ان خطة الحكومة تنفذ على"حساب انفتاح التلفزيون المغربي على العالم الحر الحداثي بكل صناعاته التلفزيونية". وبالمقابل فإن الاجراءات الجديدة تبدو، برأي الرامي، وكأنها تختزل الهوية في عنصر واحد من عناصرها وهو الدين، بينما تتشكل الهوية المغربية من عناصر تعددية ثقافيا ودينيا ولغويا.
بينما يعتقد ادريس كسيكس ان الصراع من أجل الحريات يمر عبر الدفاع عن علمانية الدولة وان وظيفتها (الدولة) ينبغي أن تتسم بالحياد فيما يتعلق بالدين، لكن الكاتب المغربي يشير إلى أن ذلك لا يمنع خصوصية دور رئيس الدولة، الملك، في أن يضطلع بدور رمزي على المستوى الديني كما يحصل في دول أخرى علمانية.
وفي رده على انتقادات الأوساط العلمانية لقرارات الحكومة، ينفي محمد يتيم، ان تكون الحكومة بصدد التركيز على الجانب الديني على حساب الجانب الاجتماعي والاقتصاد كما اتهمت بذلك حزبه منظمات حقوقية، معتبرا ان الهدف من هذه المؤاخذات يروم "تقزيم عمل الحكومة".
الحقل الاعلامي كان حتى الأمس القريب تحت سيطرة العلمانيين وتطغى على بعض قنواته الفرنكفونية كما يمنع ظهور المحجبات على التلفزيون، وهو ما كان يثير نقاشات حادة داخل البرلمان المغربي ويبدو أن العدالة والتنمية انتقل من موقعه المنتقد في البرلمان آنذاك "لتحكم العلمانيين في الإعلام" إلى تنفيذ قرارات الآن من موقع السلطة تتماشى وتوجهاته. وبات الإعلام بناء على ذلك محور الإهتمام ويستقطب الطابع الأكثر حدة في الصراع بين الاسلاميين والعلمانيين.
ويعتقد محللون بأن اجراءات الحكومة في المجال الاعلامي، قد تكون ساهمت في توسيع نطاق الصراع الثقافي في البلد. فقد أقر توسيع استخدام اللغة العربية الى نسبة 80 في المائة، وتوسيع استخدام اللغة الأمازيغية التي نص الدستور المغربي الجديد عليها كلغة رسمية إلى جانب العربية، كما تضمنت الاجراءات الجديدة تكثيف استخدام اللهجة الحسانية (يتحدث بها أهل الصحراء). وبالمقابل، سيتم تقليص حضور اللغة الفرنسية، فيما يبدو حربا على من يوصفون في المغرب بـ "التيار الفرنكفوني". وشهد المغرب في السنوات الأخيرة حضورا ملحوظا للقنوات الفضائية العربية مثل الجزيرة، بينما لوحظ تراجع للقنوات الفرنسية، وحتى فرنسا بدأت تتوجه للجمهور العربي في المنطقة المغاربية عبر قناة ناطقة باللغة العربية (فرانس 24).
"مقبلات انتخابية"
ويذهب بعض المحللين أبعد من ذلك، حيث يعتقدون أن خطة الحكومة لتوسيع حضور الدين في الاعلام السمعي والبصري لا يبدو انها بعيدة تماما عن أجواء انتخابية تلوح في الأفق. وبرأي ادريس كسيكس فإن الانتخابات المحلية المرتقبة في غضون شهرين، تشكل دافعا لحزب العدالة والتنمية، فهو"يدرك الدور الاستراتيجي الذي يمكن للإعلام ان يلعبه في التأثير على الناخبين" وأضاف أن "غياب برامج اقتصادية واجتماعية وحلول للمشاكل القائمة" تجعل "الحزب الاسلامي يراهن على الاعلام كوسيلة لفرض حضوره وتحقيق رصيد انتخابي". وهو ما ينفيه محمد يتيم بقوله: "لسنا في حملة انتخابية، وحزبنا ليس بحاجة إلى أية حملة" مشيرا بأن استطلاعات الرأي تبرز ان حزب العدالة والتنمية ما يزال في مركز متقدم.
ويتهم محمد يتيم "لوبيات متضررة" بأنها "تتحرك ضد قرارات الحكومة". لكن وزير الشباب والرياضة محمد أوزين، ذو التوجه الليبرالي، يقول إن قرارات وزارة الاتصال، ستنتج عنها خسائر في مجالي الاعلام والرياضة، موضحا ان شركة المغربية للألعاب والرياضات التي منعت اعلاناتها من التلفزيون، ساهمت في السابق بمبلغ 130 مليون درهم مغربي أي ما يعادل 6,11 مليون يورو لصندوق دعم الرياضة. ومن جهته قال نعيم كمال العضو السابق في الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري ان "قرارات وزير الاتصال هي مقبلات للإسلاميين، ولا تساهم بأي شيء في تطوير القطاع السمعي البصري". وأشار إلى أن منع اعلانات القمار على القناة الثانية (دوزيم) سيتسبب في خسارة 27 مليون درهم مغربي أي ما يعادل 4,2 مليون يورو.
سهام أشطو- الرباط
مراجعة: منصف السليمي
|
|
2346 |
|
0 |
|
|
|
هام جداً قبل أن تكتبو تعليقاتكم
اضغط هنـا للكتابة بالعربية
|
|
|
|
|
|
|
|