أضيف في 27 يونيو 2011 الساعة 00 : 18
إدريس عدار
يوجد تنظيم العدل والإحسان على هامش المطلب الديمقراطي , وهو دائما متمسك بشعار "خدم آ التاعس من سعد الناعس"، فرغم عدم إيمانه بالديمقراطية فإنه يأكل من غلاتها، ورغم أنه لا يرى جدوى في النضال الديمقراطي , إلا أنه يعتبره أقصر الطرق للسيطرة على الحكم قبل قتل أعدائه، فكيف يعود الآن، وهو الحركة غير المعنية بالدستور ومداخله، إلى الإعلان عن رفض الدستور لأنه لم يأت بالديمقراطية كاملة ؟ وما زال التحدي مطروحا عليه حول موقفه لو جاء الدستور بالديمقراطية كاملة؟ فهل سيغير موقفه أم إنه سيعتبر ذلك بداية النصر ويسرج مراكب الخيل لتنقض الطليعة المجاهدة على الحكم؟ إن الصلاحيات التي تم الاحتفاظ بها للمؤسسة الملكية في الدستور الجديد، وهي قليلة، لا تصل مقادر العشر من الصلاحيات التي يعطيها عبد السلام ياسين للخليفة في الدولة الإسلامية القطرية، فالصلاحيات الدستورية محددة ويضبطها القانون، لكن ليست من قبيل ما قاله ياسين في كتابه "الإسلاميون والحكم" "من الإسلاميين من يتصور أنّ على الأمير أن يشاور ولا يتعدَّى الشورى قيد أُنملة. معنى هذا الشللُ التامُّ العامَّ. ومنهم من يأنَف من مسألـة الطاعة وكأنه يرى في كل حبل مفتول أفعى قاتلة لطول ما عانينا من الاستبداد"، فياسين واضح هنا، وهو يرى أن المداولات وتوقيف القرار نظرا لعدم الاتفاق عليه بالشلل التام، فالديمقراطية مشلولة أصلا في نظر الجماعة التي لا ترى إلا ما يرى المرشد والولي. وإذا كانت جماعة العدل والإحسان تستكثر على الملك أن يحتفظ ببعض الصلاحيات كقيادة الجيش والأمن وتدبير الشأن الديني فإن عبد السلام ياسين يرى أن نزع هذه الصلاحيات عن القائد خطأ فادحا إذ يقول "البيعة من خصائص الحكم الإسلامي. هي عقدٌ يُلْزِمُ ذمة الأمير والمأمور، ويحدد مسؤولية الجانبين، ويوضح اختصاصات الحاكم وواجبـه، ويَحسم في مسألة أساسية من مسائل الحكم لا تزال الديمقراطية تتناولها بالتجربة والخطإ : هي مسألة القيادة. وللكلمة تاريخها في الديمقراطية،والجدَلٌ القائم حول مفهومها ومعاييرها. الديمقراطية تزداد اقتناعا بضرورة عنصر القوة في النظام الديمقراطي، ينشغل منظروها وممارسوها بالملاءمة بين أفُقية النقاش البرلماني وعمودية القيادة صاحبة القرار. وقد انتهت الديمقراطية الإنجلوسكسونية في أمريكـا إلى إقامة رئيس دولة قوي يجمع بين يديه سُلَط رئاسة الحكومة والقيادة العامة للجيش. وفي إنجلترا مثل ذلك. ونظام فرنسا منذ دوغول أخذ بنظام الرئاسـة القوية. وفي إيطاليا لا تزال الديمقراطية البرلمانية تتخبط منذ بضع وأربعين سنة في عدم الاستقرار، بمعدل حكومة كل بضعة أشهر. ذلك لانتشار الأفُقِيَّـة البرلمانية وانبطاحها كجسم ليس له عمود فِقَري". وليس غريبا أن يكون النظام الرئاسي الأمريكي، الذي يمسك فيه الرئيس بالعديد من الصلاحيات، هو النموذج الأكمل لعبد السلام ياسين، وتنعدم الغرابة إذا علمنا المغازلات الكثيرة بين الجماعة والمؤسسات الأمريكية التي تصل حد النكاح السفاح الذي قد ينتج عنه مولود اسمه "الجمهولافة". الديمقراطية التي يغازلها ياسين هناك ويتباكى عليها ,هنا يصفها بأقدح النعوت "الديمقراطية عقلنة للحكم، وحكمة إنسانية، وزبدةُ تجربة، وما شئت من فضائل حقيقية أو وهمية. كنا نبحث، ونحن في الحوار والمطارحة النظرية، عن عيوب الديمقراطية لولا أن مأخذنا عليها الجوهري ليس من كونها عقلنة للحكم في حاجة لاستكمال، وحكمة إنسانية تشينها الأخطاء اللازمة لكل اجتهاد بشري، وزبدة تجربة جرت وقائعها في مناخ اجتماعي تاريخي غير مجتمعنا وتاريخنا، فهي لذلك نبتة غريبة ,أنّى لها أن تستنبت في أرض غير أرضها" وهي " ترقيعٌ هو من أصله اقتراح ديمقراطية في بلاد المسلمين، والتنادي إلى تخليق هذه الديمقراطية الغريبة ,عن وطنها وعن شروط حياتها ترقيع على ترقيع. غريبةٌ هي وغريبٌ مشروع تخليقها المقترحُ في ديارنا" وهي سوق المزادات العلنية. لكن ما هو النموذج الذي يقترحه علينا عبد السلام ياسين؟ إنها ديكتاتورية الطليعة المجاهدة على غرار ديكتاتورية البروليتاريا، وياسين منبهر بالنموذج الماركسي اللينيني لولا أنه يدعو للإلحاد. والطليعة المجاهدة ليست سوى أسلمة للطليعة الثورية في التنظيمات الشيوعية، إلا أن ياسين قام بمغربة مفهوم سيد قطب "الجيل القرآني الفريد" الذي يجد مصداقه الآن في حركة طالبان وأعطاه بعدا آخر موسوما بطابع الصوفية التي تشكل خلفية ياسين التاريخية. فالطليعة المجاهدة هي التي تتولى إقامة الدولة الإسلامية القطرية ويتحول عندها المرشد إلى خليفة قطري ومجلس الإرشاد إلى شورى الدولة الإسلامية ويتولى رجال الدعوة مراقبة الدولة، فأين هي الشورى وأين هي الديمقراطية؟ وجاء بيان جماعة العدل والإحسان حول مقاطعة الدستور تعويميا لا يحدد بدقة أسباب المقاطعة أما بيان الدائرة السياسية فكان كارثيا عندما أقحم فقرة حول ما اعتبره تضييقا على المناضلين من خلال استهداف حياتهم الخاصة وكان يشير إلى قضية ندية ياسين بنت كبير القوم التي قامت بعض المواقع الإلكترونية بنشر صور لها ووثائق حول قضائها ثلاثة أيام مع من قالت تلك المواقع إنه عشيقها، وبدل الرد بالحجة اعتبرت الدائرة السياسية أن ذلك من مدعاة مقاطعة الدستور. إن الاضطراب الذي تعيشه جماعة العدل والإحسان ناتج عن ضبابية رؤيتها السياسية وعن طبيعة موقفها من الشورى والديمقراطية.
|