لمختار لغزيوي larhzioui@gmail.com
من كان يعتقد أن قبلة مجاملة عادية “ومن الحنك من الفوق” ستثير على وزيرنا الأول أو رئيس وزرائنا حسب التسمية الجديدة كل هذا النقاش؟ ومن كان يتصور أن هذا النقاش سيصل إلى دور أخرى بعيدة عنا لكي تدلي بسطلها فيه؟
آخر الملتحقين بركب النقاش حول قبلة عبد الإله لزوجة صامويل كاتب سعودي يدعى خالد السيف، “ما لقا مايدير” فكتب منتقدا عبد الإله بنكيران رئيس الحكومة بسبب قبلة زوجة السفير الأمريكي بالرباط صامويل كابلان له أثناء افتتاح معرض “آير شو” المنظم أخيرا بمدينة مراكش.
وتهكّم سيف في مقالة نُشرت له بصحيفة الشرق السعودية على بنكيران، مُقاربا العلاقة بين أمريكا وبين الإسلاميين في العالم العربي، من خلال هاته القبلة المسكينة، حيث اعتبر الرجل أن هذه السياسة هي من ألزمت عددا من السياسيين بقبول السياسة وخبثها جراء صناديق الاقتراع.
وتندر خالد سيف في مقالته التي يكتبها بشكل دوري في الصحيفة من بنكيران، واصفا ما حدث خلال افتتاح معرض “آير شو” بمدينة مراكش بأنه امتحان من أمريكا لصحة شروط وضوء بنكيران، مُسجلا حالة الارتباك التي وقع فيها رئيس الحكومة المغربية وهو ما منع الكاتب المذكور من قراءة اثر القبلات كما جاء عبر كلماته.
ووصف السيف بنكيران بسخرية بالزاهد الذي كان الأولى له أن يخوض في ما سُمي مستنقعات السياسة بكامل شروط قاذوراتها، موجها له النصيحة بأن هذه “سنة أولى سياسة” وبالضرورة لها ما بعدها “ذلك أن القبلة ليست شيئا ولكنها تؤدي إلى أشياء” بتعبير الكاتب السعودي.
الكاتب السعودي لم يكن الوحيد الذي تولى مهمة مناقشة قبلة عبد الإله لزوجة صامويل، بل سبقه هنا في المغرب رجل يبدو ظاهريا “بعقله” يسمى أحمد الريسوني، لم يتورع عن تخصيص حوارات بأكملها للأمر رغم أن المسألة لم تتعد ثواني معدودة، ورغم أنه بحساب السنوات تبدو السيدة التي أعطت خدها لرئيس حكومتنا في مقام أخته الكبرى، إذ تفوقه عمرا، وليست بذلك الجمال الأخاذ الذي قد يسبب للرجل كل هذا الكلام، وكل ضجيج الرأس هذا، لكن على مايبدو فإن الصرعة هاته الأيام لدينا هي الاهتمام بالفارغ من النقاش، وترك “المليئات” جانبا لعدم قدرتنا على تحمل كل تبعات نقاشها.
وقد رأينا مثلا في المدة الأخيرة كيف طغى نقاش “الجزر وخيزو” على ماعداه من نقاشات في الساحة العامة، بل رأينا بعدها أن نقاشا آخر حول حجم القضيب عالميا، وحول مكانة المغرب بين الدول بخصوص هذا الحجم قد أثار لدى الناس من الحماسة ما لا تثيره النقاشات الفكرية الكبرى التي يفترض أن تحرك الجموع، وأن تغير مسار الأمور في البلد، ربما لأن شعبنا مل هاته النقاشات الموسومة بالكبرى لأنه لا يفقه فيها وفي كواليسها شيئا، وأصبح يفضل عليها نقاشات بسيطة يعرف مبتدأها والمنتهى، ويعرف أين تقف بالتحديد.
المسألة ليست تافهة نهائيا، بل هي دليل على ما أصبح الناس يعتقدونه بخصوص “القضايا الكبرى” التي فقدت كل قيمة لديهم، مقابل تبئيرهم على قضايا تبدو لنا في حكم التافهة، لكنها تخفي حقيقة اهتمام الناس وحقيقة كفرهم بالكبير من القول مقابل إيمانهم العميق والدال بالأشياء الصغيرة التي يفقهون معانيها، والتي يعرفون خباياها بالفعل، أو التي يعتقدون أنهم يدركون الخبايا منها فعلا. لذلك يبدو المستقبل زاهرا بالفعل أمام هاته النقاشات، ويبدو غير مريح لمن يرغبون في الدخول في المتاهات الكبيرة لنقاشات لاعلاقة لعموم الناس بها.
هل هو تخلفنا العام وانحطاط المستوى الفكري في البلد؟ ربما. لكنه أساسا الدليل الذي لم يعد أحد ينتظره على أننا فقدنا بالفعل بوصلة التفكير السليم في الأشياء، وأصبحنا أسرى نقاشات صغيرة وتافهة تدل على مشكل كبير لدينا في تدبير نقاشنا العام الذي لم يعد قادرا على أن يتجاوز مدانا المنظور، والمستقر في المفاضلة بين الجزر ويد المهراز، أو المتقوقع في الحديث عن حجم القضيب لدينا ومقارنته بالدول الأخرى، أو الذي يصل حين رغبته في الترقي قليلا إلى الوقوف عند سلام رئيس الوزراء لدينا على زوجة سفير أجنبي، وجعل الأمر قضية رأي عام تستفز الكتاب الأجانب حول بلادنا، وتدفع شيوخا من طينة الريسوني وماشابه إلى التعبير العلني عن موقفهم منها، وتعطي صحافتنا فرصة لوك شيء يفهمه الناس ويعطونه قليل أو كثير اهتمامهم، الأمر سيان.
قبلة هنا وجزرة هناك، يبدو المستقبل مليئا بالبشارات التي تعطينا تصورا أولا متفائلا عن شكل ما ينتظرنا، وتبدو أمورنا الأخرى، تلك التي نعتقد أنها أكثر أهمية، مؤجلة إلى حين آخر، قد نتفرغ له، وقد لانجد الوقت نهائيا لملئه أو لفعل أي شي ء فيه على الإطلاق.