|
|
|
|
|
أضيف في 11 أبريل 2012 الساعة 43 : 14
الحق في الاختلاف من مستلزمات المشترك الإنساني : نصدر في هذا المقال ذي الميسم الحواري عن وعي معرفي مبدئي ، مفاده أن الدفاع عن التعددية في مختلف تمظهراتها ، و الحق في الاختلاف و حرية التعبير عن الأفكار و المواقف ذات الصلة بالكينونة الإنسانية ؛ من مستلزمات المشترك البشري الراهن معرفيا و حضاريا ، شريطة أن يستند صوغ القول إلى الضوابط العقلانية و المعايير العلمية و الوسائل الشريفة ، للمساهمة في اجتراح مفاهيم و قيم تناصر الحق و الخير و الجمال . و لعل الداعي وراء هذه الإشارة الكم الهائل من المقالات المنشورة في أهم المصادر الإعلامية العربية ، حيث عبر أصحابها عن قلقهم و تشاؤمهم ، بل و سخطهم إزاء النتائج التي حصدتها الأحزاب الإسلامية في الاستحقاقات الانتخابية في أكثر من قطر عربي ، بعد سنة من ربيع ديمقراطي زلزل المنظومة السياسية العربية التقليدية ، و لعل أغلب هذه المقالات المعنية بالأمر لكتاب يتخذون من العلمانية منطلقا رؤيويا و منهجا للتعاطي مع مفردات البنية المجتمعية العربية في شموليتها . و نحن إن كنا نعترف بحق كل مواطن في التفكير و البوح بتطلعاته و رغباته و اختياراته الخاصة .. فإننا في الآن عينه نجد أنفسنا مضطرين للخوض في حوار حضاري غير مباشر ، مع كتاب نكن لهم كل الاحترام و التقدير ، قد نختلف معهم في المعطى المعرفي و المنظور الأيديولوجي ، بيد أننا بكل تأكيد نتفق جميعا على حلم جماعي عظيم ؛ إنه إقامة نسق سياسي راجح يقطع مع الفساد و الاستبداد ، و ينحو في اتجاه غد مشرق حيث الإقلاع الحضاري و النهضة التنموية الشاملة ! و قد ارتأينا أن نقارب " مدونة " من النصوص إبستيمولوجيا للكشف عن تناقضاتها و تشققاتها الداخلية ، دون أي رغبة في التشهير المجاني أو تحريف الحقائق أو النيل من مؤسسة أو تيار ما ، لمصلحة جهة معينة ، و سوف لن نمل من التأكيد بان الغاية المحرقية التي نوجه اهتمامنا صوبها هي الدفاع المستميت عن الديمقراطية و العقلانية و الباقي تفاصيل ! 2 – حين يستقيل العقل : بداءة نحب أن نشير إلى أن العلمانية الأصيلة هي اجتهاد إنساني نبيل و فلسفة ثورية ، انطلقت من أجل تفكيك البنية التحتية للطبقة السائدة المتحالفة مع رجال الكنيسة ، الذين اغتنوا على حساب الأغلبية الساحقة المسحوقة من المواطنين البسطاء ، و بالتالي كانت العلمانية الغربية في سياقها الزمني المخصوص صيحة مدوية ضد الظلم و الفساد ، لإقامة مجتمع آخر تسوده قيم العدالة و المساواة و الحرية و الكرامة .. فهل نهجت العلمانية العربية نفس المسلك ، و وقفت إلى جانب المعذبين في الأرض ؟ أم أنها رسمت لنفسها طريقا يتعارض و الآمال و القيم الحضارية و المجتمعية للشعوب التي عانت عقودا من القهر و الجبروت ! يؤسفني أن أقول بأن العلمانية العربية أخلفت موعدها مع التاريخ الحديث ، و انحرفت عن مسارها لتصبح في يد الأنظمة السياسية القمعية ، و الأطراف ذوي النفوذ السوسيو – اقتصادي و المصالح المالية الرهيبة . و كادت هكذا علمانية تختزل في الاستعداء الباثولوجي لقيم المجتمع الدينية ، و أضحى النيل من المعطى الديني و كأنه المراد و المبتغى . و نحن إذا اقتصرنا على عينة من مساهمات بعض الكتاب العلمانيين أثناء و بعد " الربيع الديمقراطي " ، بهدف استقراء و استجلاء آليات و أسس تفكيرهم، و مقاربة الواقع المجتمعي الملموس فإننا سنخرج باستنتاج يتنافى و الفرضيات أو المبادئ التي ينتظر أن ينطلق منها هؤلاء الكتاب ؛ مبادئ الحداثة و القيم الكونية ! فهناك من يستعمل أسلوب التعويم و المزايدة حينما يذهب إلى أن " الديمقراطية عند الإسلاميين : صوت الأغلبية و صناديق الاقتراع التي تمكن هذه الأغلبية من فرض تصورها و قيمها على الأقلية " ! هكذا تحضر ميكانيزمات الحكم على النوايا و قراءة الغيب و المصادرة على المطلوب ، لا بل " يصبح تصويت الأغلبية ذريعة لسحق الأقلية أو إرغامها على تبني قيم الأغلبية .. " و الحقيقة أن العقل السليم و الراجح يرفض و بصورة مطلقة أن تفرض أغلبية ما قيمها و تصوراتها على الأقلية ، بيد أنه يرفض و بنفس الدرجة أن تفرض أقلية ما أجندتها و ميولاتها على الأغلبية . و قد يستقيل العقل "العلماني" ليستنتج و بجرة قلم أنه " ينتفي بشكل كلي إمكان بناء الديمقراطية في إطار دين معين ، مهما كان هذا الدين ... لان ذلك نوع (كذا ) من التوتاليتارية التي تكرس الاستبداد و التسلط " ! و الحال أن معظم الدول الغربية الديمقراطية جدا لا تخفي استنادها إلى قيمها المسيحية و اليهودية و تعلن عن ذلك بشكل أو بآخر، و بعض زعمائها لم يجدوا حرجا و هم يعلنون أنهم ينفذون أوامر الرب أثناء ممارستهم لهواية سفك دماء الأبرياء ، و في المقابل نجد أن الزعماء العرب الذين أطاح بهم الربيع الديمقراطي كانوا علمانيين متطرفين ؛ فما هم أقاموا ديمقراطية كما هو متعارف عليها دوليا ، و لا هم ححقوا إنجازا تنمويا يرفع الحيف عن الشعوب المغلوبة على أمرها ! 3 نحو معالجة ملموسة لواقع ملموس : و قد جنح البعض في نبرة من الأسى و الحزن إلى أن " غياب الديمقراطية و سيادة أنظمة الاستبداد هما المسؤولان عن صعود التيارات الإسلامية و هيمنة مقولاتها و ثقافتها على ذهنية قطاعات واسعة من الشعوب العربية " . نقر أن الأنظمة العربية حكمت شعوبها طيلة عقود ما بعد الاستقلال بالحديد و النار، غير أن هذا المسلك القمعي لم يقتصر على المثقفين "الحداثيين و التقدميين" ، بل شمل أيضا و ربما بعنف أشد أصحاب التيارات الإسلامية و القومية ! إنه غياب التوازن و انتفاء التناسق بين المقدمات و النتائج ، مما يعرض الخطاب "العلمانوي" إلى الانهيار التلقائي . و قد يستشعر الداعية العلماني الخطأ فيهرع ل"عقلنة" زاوية نظره مصرحا " إن الديمقراطية قد فتحت الآن بشكل فعلي ، و كما كانت سلاحا في يد الحركات الإسلامية ، فإنها أيضا سلاح بيد القوى الديمقراطية " و هنا لا يسعنا إلا أن نعترف بحصافة هكذا موقف ، لأن التنافس الديمقراطي الشريف بين الفاعلين السياسيين داخل أي بلد ، هو المنقذ من الضلال و الملجأ الأوحد للوصول إلى السلطة بطريقة حضارية و سلمية ، و تنفيذ البرامج المجتمعية التي تعكس متطلبات الجماهير الشعبية الملموسة ، عوض البكاء على الأطلال و تعليق الفشل على الآخر .. و تأبى كاتبة مشرقية مقيمة بأمريكا إلا أن تنضم إلى موكب العزاء و صوغ قصائد البكاء على نتائج حصاد الربيع الديمقراطي ، فبالنسبة إليها " الحداثيون لا يرفضون الانتخابات ، و هم في تخوفهم من الإسلاميين ليسوا ضد الديمقراطية .. ما يقولونه هو أن عدم وضوح توجهات الإسلاميين في الحكم و عدم يقينهم من ديمقراطية هذه التوجهات إنما يثير الرعب، لأن ليس هناك من يقدم الضمانات بالتداول على السلطة " ! فأما أن يكون هناك خوف على عدم يقينية الإسلاميين من الديمقراطية ، و على ضمانات التداول على السلطة فهذا تخوف مقبول ، و أما أن الوصول إلى إقامة دولة مدنية ديمقراطية تكفل حقوق الجميع و تضمن قيم الحرية و العدالة و المساواة و التنمية المستدامة فهذا مشروع أمة بكاملها ، يستدعي تبادل الخبرات و تكاثف الجهود و الاحترام المتبادل بين كل الأطراف الفاعلة داخل المجتمعات العربية ؛ العلمانيون الواقعيون و الإسلاميون و السلفيون .. فالوطن للجميع و لا فضل لأحد على آخر إلا بما يقدمه من تضحيات من أجل إقلاع نهضوي بحصر المعنى ؛ إقلاع في اتجاه إرساء نسق سياسي حديث و متقدم و هادف ، بعيدا عن المماحكات السياسوية و النزعات الأستاذوية المتعالمة ، فما أحوجنا إلى معالجة ملموسة لواقعنا الملموس ! الأستاذ : الصادق بنعلال – باحث في قضايا الفكر و السياسة ( المملكة المغربية ) Sadik.benallal@live .fr
|
|
2873 |
|
0 |
|
|
|
هام جداً قبل أن تكتبو تعليقاتكم
اضغط هنـا للكتابة بالعربية
|
|
|
|
|
|
|
|