تجد الكثير من النساء أنفسهن مجبرات على تقبل أوضاع لم يسبق لهن أن فكرن في تقبلها، كأن يعشن مع ضراتهن في نفس البيت ومحاولة التعايش مع وضعهن من خلال البحث عن وسائل ممكنة لتجنب المشاكل التي قد تنشب بين الضرات، لتكون النتيجة في نهاية المطاف اقتسام نفس البيت ومشاركة نفس الرجل.
كان قدر كل واحدة منهن أن تقاسم زوجها مع امرأتين أخرتين، ليعيشن جميعهن تحت سقف بيت واحد، ويتنفسن نفس الهواء ويتناولن من نفس الصحن، بعد أن ساقتهن الظروف للزواج بنفس الرجل، والإنجاب منه أبناءا كلهم يحملون نفس الدم والإسم.
تقبلت كل واحدة الأخرى
« آش غادية ندير هاد الشي اللي كتاب عليا» تقول فاطمة الزوجة الأولى التي رفعت يديها، مستسلمة للوضع الذي فرضه عليها زوجها حينما شرع يتزوج من امرأة تلو الأخرى، دون أن تستطيع فعل شيء من أجل منعه من الزواج، خوفا من أن يطلقها.
كانت حياة فاطمة عادية إلى أن تزوج عليها زوجها للمرة الأولى، مستغلا مرور سنوات من زواجهما دون إنجاب، حيث بدأت الغيرة تأكل قلبها الذي كان يشتعل نارا، وهي ترى كيف يعامل زوجته الثانية في الوقت الذي أصبحت تعيش فيه هي على الهامش.
تعايشت فاطمة مع الوضع، وتقبلت ضرتها محاولة إيجاد وسيلة التفاهم معها دون أن تحدث بينهما مشاكل، خاصة أن زوجها لم يفرط فيها وصان عشرتها بالرغم من زواجه من امرأة أصغر منها، فبقيت محافظة على كل صلاحياتها داخل البيت، وبقيت كلمتها مسموعة لأنها« صاحبة الرأي والشوار».
حاولت فاطمة احتضان ضرتها الثانية بحكم صغر سنها، فحاولت أن « تكبرها على يديها» حتى تتجنب المشاكل التي يمكن أن تنتج عن ذلك، لكن بالرغم من ذلك كانت فاطمة تحس بأن زوجها يفضل زوجته الثانية عليها، ويظهر ذلك جليا من خلال معاملته لها.
كانت الزوجتان تعيشان في بيت واحد، ولا يفرق بينهما إلا غرف النوم، استغلت فاطمة التفاهم الذي ساد بينها وبين ضرتها، من أجل تعويض إحساس الأمومة الذي حرمت منه، من خلال رعاية أبناء ضرتها والاهتمام بهم، وهو الأمر الذي لم ترفضه ضرتها التي وجدت من يساعدها على تربيتهم.
تعويض إحساس الأمومة من أكثر الأشياء التي جعلت فاطمة تتقبل هذا الوضع، خاصة عندما تسمع كلمة« امي » من أفواه أبناء ضرتها الذين فتحوا أعينهم فوجدوها تقوم مقام والدتهم.
استمر الوضع على ماهو عليه لسنوات إلى أن فاجأهما الزوج برغبته في الزواج مرة أخرى مادام قادرا على توفير متطلبات جميع نسائه من الناحية المادية والمعنوية، وهو الأمر الذي رفضته الزوجتان الأولى والثانية، ليتزوج الثالثة ضاربا عرض الحائط اعتراضهما على هذه الزيجة.
وجدت الزوجتان الأولى والثانية نفسيهما أمام الأمر الواقع حينما دخل عليهما الزوج وفي يده زوجته الثالثة، وأرغمهما على تقبل الوضع كما هو والتعايش معه، مادام قادرا على الإنفاق عليهن جميعا.
بالرغم من المستوى المادي الميسور الذي يعيش فيه الزوج إلا أنه كان يصر على جمع زوجاته الثلاث في بيت واحد، حتى يكون جميع أبنائه تحت نظره طيلة اليوم، وحتى لا يفضل واحدة على الأخرى في الإنفاق والاهتمام، حيث اشترى بيتا مكونا من ثلاث طوابق، ومنح كل واحدة منهن طابقا خاصا بها.
استطاعت الزوجات الثلاث خلق جو من التلاحم والألفة للعيش في بيت واحد ومع رجل واحد دون مشاكل، محاولة كل واحدة منهن التنازل قليلا والتضحية من أجل استمرار هذا الزواج، حتى لا يذهب الأبناء ضحية تعدد زيجات والدهم، مادام الزوج يحاول قدر استطاعته توفير جو ملائم لهن دون أن يفضل ،واحدة على الأخرى.
«ضرات بحال لخواتات»
لا يبدو لزائرهن أنهن ضرات يعشن في بيت واحد من كثرة التفاهم والوئام الذي يظهر عليهن، فمجالستهن متعة بسبب خفة ظل كل واحدة منهن، وروحهن المرحة بالرغم من كونهن ضرات ويتقاسمن نفس البيت والرجل.
حليمة والسعدية ونجاة ثلاث ضرات قادهن قدرهن للارتباط بنفس الرجل، الذي جمعهن في بيت واحد بالرغم من رغبة كل واحدة منهن في الاستقلال بمنزلها بعيدا عن الأخرى في بداية الزواج، إلا أن هذا الأمر لم يؤثر على نفسيتهن ولم يغيب عنهن روحهن المرحة.
لم تكن هذه حالة الزوجات الثلاث قبل سنوات حينما كانت كل واحدة منهن تعيش في بيت منفصل عن الأخرى، إلا أن الظروف المادية للزوج لم تعد تحتمل فتح ثلاث بيوت والإنفاق عليها في ذات الآن، لذلك قرر أن يشتري بيتا كبيرا تجتمع فيه الزوجات الثلاث بأبنائهن.
في البداية كان من الصعب أن تتقبل كل واحدة من الزوجات الأخرى، إلا أنه مع مرور الوقت، وشخصية الزوج القوية التي كانت تظهر في الأوقات الحاسمة، دفعتهن إلى محاولة التأقلم مع بعضهن البعض لأن السنوات كانت كفيلة بدفعهن للبحث عن وسيلة للتعايش دون مشاكل.
عاشت الزوجات الثلاث فيما بعد وضعا مريحا بعض الشيء بسبب تأقلمهن مع بعضهن البعض، بالرغم من بعض الخلافات البسيطة التي كانت تطفو على السطح بين الفينة والأخرى، إلا أنها لم تستطع التأثير على علاقتهن، لأن كل واحدة منهن تعتبر الأخرى أختا لها تقاسمها نفس الإحساس ونفس المعاناة.
عملت كل واحدة من الضرات على تربية أبنائها على احترام الزوجات الأخريات ومعاملتهن معاملة أمهم، خاصة بعد أن وجدن أنفسهن مجبرين على العيش تحت سقف بيت واحد، تلتئم تحته الأسرة بكاملها، وهذا الأمر جنبهن المشاكل التي يمكن أن تنشب عن مشاجرات الأبناء، وكان كلام كل واحدة منهن مسموعا بالنسبة لأبناء الأخرى.
تعيش الزوجات الثلاث وضعا مستقرا حيث تحرص كل واحدة منهن على اصطحاب الأخرى عندما تكون مدعوة إلى مناسبة ما، أو عندما يردن عيادة مريض، كما تحرص كل واحدة منهن على الوقوف إلى جانب الأخرى في أية محنة تصيبها، لكن هذا لا يعني عدم وجود خلافات بينهن تطفو على السطح بين الفينة والأخرى.
مجيدة أبوالخيرات.
الأحداث المغربية