لم تكن ميزانية البلاط، في يوم من الأيام، سرا من أسرار الدولة، تخفيه على الشعب: برلمانيين ومواطنين عاديين.
ومنذ أن صعد محمد السادس إلى الحكم تفننت صحف، لحاجة في نفس يعقوب، في نشر تفاصيل ميزانية القصر، التي تحتل الباب الأول من الميزانية العامة للدولة، حتى يتمكن كل ذي شغف للمعرفة، أو شغب مقصود، أو مرض في النفس من الإطلاع عليها من دون بدل أي مجهود.
ولا تشكل ميزانية البلاط استثناء على باقي الميزانيات القطاعية، فهي تخضع لنفس المنطق في الإعداد والعرض والمصادقة، وبالتالي فهي ليست بمثابة "صندوق أسود" كما قد يعتقد بعض هواة الخيال، الذين يهدفون إلى التضخيم خدمة لحقد دفين.
وحين تُعرض ميزانية البلاط على البرلمان، فإن ذلك يندرج في إطار احترام المساطر والقوانين الجاري بها العمل، وفي إطار، كذلك، الحرص على إطلاع الشعب على مصاريف البلاط، لأن القصر ليس مجرد ملك وبنايات، بل هو إدارة وموظفين وتجهيزات وصيانة واستقبالات ومؤسسات استشارية يتقاضى العاملون بها من أعضاء معينين وعاملين أجورهم منها (ميزانية القصر).
وعندما يتم عرض ميزانية البلاط على البرلمان، فإن ذلك لا يندرج في سياق محاولة إضفاء طابع الشرعية على ميزانية "مقدسة" كما يدعي البعص، بل في إطار احترام عمل المؤسسات.
ويكفي أن وضع هذه الميزانية على قدم المساواة مع باقي الميزانيات يزيل عنها أي طابع للتقديس، ويفتح الباب واسعا أمام من يريد مناقشتها إذا رأى في أبوابها ما يستحق أن يكون موضوع نقاش، أما إطلاق العنان للخيال من أجل تصور ما لم يقع أصلا فيدخل في باب تفجير العقد والتفريج عن كربة النفس، لأن لا أحد كان يرتجف لا الوزير ولا النواب، ولا أحد جف حلقه، ولا أحد صفق... الذين جفت حلوقهم حقيقة هم أولئك الذين لم يحقق الربيع العربي أحلامهم في إسقاط النظام وإقامة الجمهوريات... هم أولئك الذين كانوا يتصورون أن العرش سيتزعزع لمجرد رفع شعار أو خط مقال أو حتى حرص بعض الأنظمة العربية، التي تجد نفسها اليوم أمام فوهات مدافع الشعب، على ذلك، قبل أن ينقلب السحر على الساحر فمنها من ذهب أدراج نسائم الربيع ومنها من لا يزال تحت عواصف الشتاء.
لذلك لا تحتاج تغطية مناقشة القصر باللجنة المختصة إلى الخيال مادام بإمكان أي صحفي أن يحضر اجتماع اللجنة من دون كبير عناء، أنذاك سيكون بإمكانه أي ينقل الوقائع من دون حاجة إلى خيال مبرمج مسبقا يسير في اتجاه الحائط.