|
|
|
|
|
أضيف في 06 أبريل 2012 الساعة 44 : 22
استضافت مجموعة “الديمقراطية والحداثة” المفكر التونسي محمد الطالبي، بغية إلقاء محاضرة ضمن أشغال الندوة الدولية “حرية المعتقد في المغرب”، التي انعقدت أواسط الشهر الماضي بأحد فنادق الدار البيضاء. إذ التقينا مع صاحب “عيال الله”، حيث أجرينا معه حوارا مطولا حول نظرته إلى قراءة القرآن، ورصده تاريخ الحديث النبوي وكتابته، والظروف السياسية، التي أدت إلى وضعه، وكذا موقفه من الموروث الحديثي. فيما يلي الجزء الأول من الحوار: * قلت إنك مسلم قرآني؟ ما سر هذا التعريف؟ ** الأمر بسيط. ماذا كان عند المسلمين في حياة الرسول؟ كان عندهم كتاب واحد. هذا الكتاب هو كلام الله، وحي من الله إلى النبي. بلّغه إليه. لم يكن عندهم شيء آخر دون هذا الكتاب. ثم، طبعا، كان الرسول بينهم. كان يجيبهم كلما سألوا. لكنه لا يجيب حتى يبلغه الله بالجواب. لهذا، أنا أقول أنا مسلم مثل المسلمين الذين عاشوا في حياة الرسول. والذين عايشوا الرسول عملوا بالقرآن، لا غير. ولم يوجد إلى جانب كتاب الله كتاب يسمى بـ “الشريعة”، التي تعد كتبها بالآلاف اليوم. فأنا مسلم كالمسلمين الذين عاشوا أيام الرسول، يسمعون كلام الله، ويعملون به. هذا هو السبب الذي يجعلني أقول إنني مسلم قرآني، لأن الشريعة خرجت عن القرآن. فالشريعة أدخلت “حكم الرجم” و”حكم الردة”. وهذان الحكمان غير موجودان في كتاب الله. لماذا أعمل بالشريعة التي كتبها البشر، وأترك كلام الله؟ فأنا مسلم أتبع كلام الله الملزم لكل مسلم. وما سوى كتاب الله غير ملزم، إلا إذا وافق كتاب الله. هذا هو السر وراء هذه التسمية. وهو سبب بسيط. * هل هذا يعني إلغاء السنة والتفاسير وكل التاريخ المكتوب حول الإسلام…؟ ** تكمن مشكلة السنة في أنه ليس من اليقين أن نعتقد فيها. فهذه مجرد أقوال. وكما أقول دائما وأبدا، لم يستعمل أبو حنيفة إلا سبعة عشر حديثا (توفي سنة خمسين ومائة). لماذا لم يستعمل إلا هذا العدد من الأحاديث؟ لأنه كان يجهل ما كان يجهل، وهو عالم وصاحب مذهب عليه أن يعلم ويسأل. إذن، إذا كان قد استعمل إلا سبعة عشرة حديثا، ولا يمكن أن يقال إنه كان يجهل، فذلك لأنه لم يصح عنده على وجه اليقين أن الرسول قد قاله. أضف إلى هذا أن هناك أحاديث تعارض كتاب الله. والأحاديث التي تعارض كتاب الله هي، بدون شك، أحاديث مكذوبة. موقفي هو: إذا وجدت في السنة حديثا يوافق كتاب الله، فلا مانع بأن أعمل به. ليس من المعقول أن يخالف كتاب الله. والله يقول مهددا إياه: “لو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين، ثم لقطعنا منه الوتين”. إذ يستحيل أن يقول الرسول شيئا غير ما هو موجود في كتاب الله. لهذا، أنا أعتقد أن الرسول لم ينطق بالأحاديث التي تخالف كتاب الله. إذن، إذا قرأت حديثا مثل “المسلم من سلم الناس من لسانه ويده”، فأنا أرحب به لأنه يتفق مع كتاب الله، ومع أخلاق الرسول. ومن هنا، هناك حظوظ كبيرة بأن يكون الرسول قد قاله، وبأن الذين بلغوه عنه، فعلوا ذلك بشكل موثوق به وصحيح، حيث يمكن أن نعمل به. وعندما أجد حديثا عن أنس بن مالك يقول: “بدأ الإسلام غريبا، وسيعود غريبا كما بدأ. والذي روحي بيده، ليتراجع الإسلام إلى ما بين مكة والمدينة، كما تتراجع الحية إلى جحرها”. من المستحيل أن يكون الرسول قد قال هذا الكلام، حيث يشبه الإسلام بحية تقوم بدورة، ثم ترجع إلى جحرها، فينقرض الإسلام. هذا الحديث غير معقول، خرافي، أسطوري… وعندما أجد حديث موسى مع ملك الموت، وهو يهم بقبض روحه. قال له: “أنا لا أريد أن أموت”. ثم تحارب معه، فضرب موسى ملك الموت بعصاه، وأفقده عينا من عينيه. كيف تريدني أن أومن بحديث من هذا النوع. إنه حديث خرافي، رغم وجوده في الصحاح. هذه هي المشكلة! فأنا، إذن، لا أقبل من الأحاديث إلا ما وافق كتاب الله. لا أرفض كل الأحاديث. لكنني غير ملزم بكل حديث لا يتفق مع كتاب الله. أنا ملزم بكتاب الله. هذا هو موقفي من السنة. * في نظرك، ما السبب الداعي إلى وضع كل هذه الأعداد الهائلة من الأحاديث، التي نسبت للنبي صلى الله عليه وسلم؟ كيف تفسر هذه الرغبة في وضع الأحاديث؟ ** يمكن اعتبارها ظاهرة اجتماعية. متى ظهرت هذه الأحاديث؟ ظهرت أيام الأمويين. وأول من كتب هذه الأحاديث وجمعها هو الزهري، الذي توفي سنة ستة وعشرين ومائة. إذ كان الخليفة عبد الملك بن مروان يريد أن يلقى مساندة من رجال الحديث، لأنه يحتاج إليهم لفرض خلافته. وأنت تعلم كيف تمت هذه الخلافة! تمت في ظروف صفين، التي اقتتل فيها المسلمون، حيث أخذها معاوية بالقوة والغصب. إذن، هناك شق كبير جدا من المسلمين الذين حاربوا الأمويين، وما خضعوا لهم إلا بحد السيف. ومن هنا، كان هؤلاء في حاجة إلى مساندة. أين وجدوا هذه المساندة؟ طبعا، في القبائل. هذه ناحية تاريخية أتركها جانبا. ولكن الخلافة الأموية بحثت، في الوقت نفسه، في بعض الصحابة، أو بعض التابعين، أو بعض تابعي التابعين. لماذا؟ لأن لهم سمعة، وشعبية بلغة اليوم، ولأن الناس يقتدون بهم لمعايشتهم زمن الرسول، حيث كانوا يتشوقون، بعد صفين، إلى معرفة كيف كان يعيش الرسول. كان هناك طلب. وكل طلب يؤدي إلى عرض. فمن الناحية الاجتماعية، كان هناك من يقول: “أنا عرفت الرسول ورويت عنه”. كان هذا يجد إشعاعا بين الناس، حيث كانوا يطلبون منه: “ماذا تعرف عن الرسول؟ ماذا قال؟” هكذا نشأ جو فيه طلب كبير لما كان عليه الرسول. يضاف إلى هذا الناحية السياسية، أن قرب الخليفة عبد الملك بن مروان منه أناسا عرفوا بأنهم يروون عن الرسول روايات. لم يكونوا كثرة في عصره. كانوا قلة. لكن عددهم كان بالعشرات. نقول إن عددهم ناهز ما يملأ مسجدا. وكان عبد الملك بن مروان، كلما وفد عليه شخص من هذا النوع الذي عايش الرسول، ويقول إنه يعرف عنه شيئا، يأمر القائم على بيت المال: “ادفع له قدرا، أو صرة من الدنانير”. هكذا، تكاثر الوافدون على عبد الملك بن مروان، حيث كانوا يجتمعون في المسجد. ينتظرون العطايا. ينتظرون لعل عبد الملك بن مروان يسأل سؤالا عن الرسول. وحتى عندما لا يعرفون شيئا، فهم يختلقون ما يرضي الخليفة. لهذا نجد الكثير من الأحاديث تقول إن الخلافة في قريش: لماذا الخلافة في قريش؟ لماذا لا تكون في أي مسلم، مهما كان انتماؤه؟ لأن الأمويين قرشيون، ويريدون أن يجدوا لنفسهم شرعية. لذلك أضفى هؤلاء المحدثون الشرعية على الدولة الأموية. ومنهم من وفدوا إلى دمشق، وكانوا يجلسون في المسجد، وينتظرون العطايا (هذا أقوله لك مسندا على كتب التاريخ. لكل كلمة أقولها، يمكن أن تقرأ عنها صفحات وصفحات، لا أروي هذا من عندي. هذا ما وجدته عند الطبري، ومسلم، وابن كثير، وابن سعد، وابن هشام، واليعقوبي، وعند كل المؤرخين الذي ألفوا كتاب عديدة في التاريخ الإسلامي). نجد من بين هؤلاء الوافدين على دمشق الزهري، الذي وفد على عبد الملك، عندما سمع أنه يجزل العطاء. إذ وجد هؤلاء حاجتهم في عبد الملك، لأنه كان يرضيهم في كل شيء. وفي المقابل، كانوا يعطونه، عندما يسألهم، الحديث الذي يحتاجه. إذ يعتبر الزهري أول من كتب بعض الأحاديث، رغم أن الرسول قال: “لا تكتبوا عني الحديث”. ثم رواه المئات، بل الآلاف من بعده. فالآلاف من الأحاديث، التي نجدها في الصحاح، تسند إلى الزهري. كان رجلا ثريا بالحديث، حيث نتساءل: من أين جاء بهذا الكم الهائل من الأحاديث؟ كان يذهب إلى المدينة، ويسأل الناس عن الحديث، حيث كان في حاجة إلى بضاعة، لأنها كانت بضاعة مطلوبة. تزايدت هذه العقلية، كلما تقدم الزمان. يقول لنا البخاري، الذي توفي حوالي خمسين ومائتين، إنه وجد في السوق حوالي ستمائة ألف حديث. هل يعقل أن يكون الرسول قال هذا الكم الهائل من الأحاديث؟ هذا أمر جنوني، وغير معقول. إذ انتقى منها البخاري حوالي سبعة آلاف، حيث يمكن أن نعتبر أنه قام بغربلة أولى: سبعة آلاف من ستمائة ألف. إذن، ما المانع أن نغربل نحن، كما غربل البخاري؟ وغربالي الذي أغربل به هو كتاب الله. فكل ما وجدته في الكتب من أحاديث، موافقا لكتاب الله، أقول إن الرسول قد يكون قاله. وحتى إذا لم يقله، فهو قول يوافق كتاب الله. لا حرج في العمل به. هذا هو موقفي من السنة. * قلت إن عبد الملك بن مروان استغل المتن الحديثي لإضفاء الشرعية على سلطته. إذ أضحى هذا الاستغلال موروثا عند الخلفاء والملوك من بعده إلى يومنا هذا… ** (مقاطعا) عندما كتبت الأحاديث، قالوا انتهى الأمر الآن، حيث فهموا أنه إذا بقي الباب مفتوحا، فإن المليارات من الأحاديث ستظهر. وهكذا، وجدنا أن رواة الحديث يقولون إن كتبهم كافية: البخاوي، أبو داود، الخ. في النهاية، اتفقوا على أربعة صحاح. لكن الفقهاء أرادوا أن يسدوا الباب، بالرغم من هذا. غير أن آخرين انفلتوا. إذ نجد كتبا تنضاف إلى الصحاح. نجد عشرة صحاح. ويمكن أن نضيف إلى هذه العشرة. هكذا، شعر الفقهاء، في يوم من الأيام، بضرورة أن نجد طريقة، أو أخرى، لكي نضع سدّا أمام هذا السيل من الأحاديث. وضعوا هذا السد، حيث قالوا، في البداية، إن “الموطأ” يكفي. ثم قالوا إن الشافعي، الذي ألف كتابا في الحديث لم يصل إلينا، كاف. ثم الأمر نفسه حدث مع البخاري، ومسند ابن حنبل، وسنن ابي داود، والترمذي، والنسائي. ففي كل مرحلة، كان كتاب ينزلق، إلى أن ضجر الناس من هذا السيل. حاولوا أن يوقفوه، حيث نجحوا في أن يوقفوه عند حدود عشرة كتب. حاوره: محمد جليد
|
|
2828 |
|
0 |
|
|
|
هام جداً قبل أن تكتبو تعليقاتكم
اضغط هنـا للكتابة بالعربية
|
|
|
|
|
|
|
|