مصطفى الرميد رجل مندفع الحماس، مقل في التمرن على استيعاب حسابات التكتيك، إنه نموذج يمشي على قدمين للمثل المغربي الدارج “اللي في قلبو على فمو”، وبسبب ذلك، كان دائما مصدر متاعب لنفسه وإحراج لحزبه، وإن كان من الصعب جدا رسم حدود فاصلة بين ما يدخل في نطاق حرية التفكير والتعبير، وما يندرج في حسابات السياسة المحكومة بمنطق القول المحسوب في الموضع المناسب.
في تاريخه الشخصي، ظل الرميد الذي أعرفه جيدا، محكوما بولائه للدعوة التي شكلت مصعده السريع إلى السياسة، وفي كل لحظات انتقاله العقائدي، ظل وفيا لعائلته الإيديولوجية الكبيرة رغم أنها قد تصبح أحيانا مصدر متاعب لشخصه، حتى أنه من البديهي الآن، أن يكون ملف استصدار العفو لفائدة معتقلي التيار السلفي أحد أولوياته.
أردت بهذا التوصيف أن أضع تصريحات الرميد الأخيرة بشأن بعض الممارسات السياحية في مراكش، في حجمها العادي، إنها تعبير عن رأي وجداني منفعل في لحظة تخشع سلفي عابر، وتحصيل حاصل في مسارات العقل السياسي والدعوي للرجل، وإن كنت أحمل على الرميد الوزير في العدل والحريات، هذه الخرجة التي أخطأ فيها الزمان والمكان، وألومه على هذا التعثر الذي ما زال يواجهه في الانتقال من الوظيفة الحزبية المنبرية، إلى الوظيفة السياسية الحكومية.
ومع ذلك، قد يكون ذلك جزءا من صعوبات الاعتياد على المقاسات الجديدة للمسؤولية، والرميد من هذا المنظور ليس إلا جزءا من صعوبات هذا الانتقال لدى جميع وزراء حزب العدالة والتنمية، إنهم ما زالوا يجدون صعوبة سيكولوجية في الفصل بين الإيديولوجية الدينية والقوانين السياسية للتدبير العمومي المحكوم ببرنامج حكومي توافقي. وها نحن نرى صور هذا التمزق كل يوم، من الوزير بوليف المهووس بالبنوك الإسلامية، إلى الشوباني الذي تخيفه شاكيرا وهيفاء وهبي ونانسي عجرم… في المهرجانات الثقافية، حتى الخلفي الذي يقامر بمنصبه الوزاري من أجل منع إشهارات الرهانات في القنوات التلفزية…
أترك تفصيلات ذلك لمقام آخر وأعود إلى مصطفى الرميد لأقول إن الرجل قد يكون خرج عن واجب التحفظ الذي يراعي منصبه كوزير في العدل والحريات، وإنه بوافر الإطراء والغزل الذي أمطر به الفقيه المغراوي يستفز جزءا من المجتمع الذي يمقت الشطحات الفقهية لصاحب زواج بنت التاسعة، لكن حجم الغلطة لم يكن يستحق أن يتحول إلى قضية حكومية، يصدر فيها وزير ما زال يتخبط في الفراغ، تحت ضغط وكالة الأنباء الفرنسية، بلاغا يشبه درسا في مادة الجغرافيا يتحدث عن مساهمة السياحة في اقتصاد المغرب.
باختصار شديد، وهذا كلام إليك السيد عبد الإله بنكيران، إن حكومة ذات هيبة، ورجالات دولة واثقين من أنفسهم، لا يخرون ساقطين صاغرين، أمام قصاصة تافهة لوكالة أنباء سبقناها في صحافة هذا البلد، إلى الإطلاع على تصريحات الرميد، دون أن نجد فيها ما يستحق التضخيم الإعلامي.