أثارت قصيدة للأديب الألماني غونتر غراس، الحائز على جائزة نوبل للآداب، نقاشا حادا في ألمانيا، حيث انتقد في قصيدته سياسة إسرائيل. وليست هذه هي المرة الأولى التي يثير فيها غراس زوبعة إعلامية بسبب مواقفه السياسية.
أثارت قصيدة بعنوان" ما ينبغي أن يقال" للأديب الألماني غونتر غراس، والتي انتقد فيها سياسة إسرائيل، انتقادات حادة في الأوساط الإعلامية والسياسية في ألمانيا. وجاء في القصيدة، التي نشرت في صحيفة "زوددويتشه تسايتونغ" الألمانية وفي صحيفتي لاريبوبليكا الإيطالية ونيويورك تايمز الأمريكية اليوم الأربعاء (04 أبريل 2012)، أن "إسرائيل، القوة النووية، تهدد السلام الدولي الهش بطبيعته". لكنه وفي نفس القصيدة يقول في مقطع آخر :"أنا متضامن مع دولة إسرائيل، وأريد أن أبقى كذلك". كما انتقد غراس أيضا سياسة بلاده ألمانيا، "بتخطيطها لتوريد غواصات إلى إسرائيل".
وطالب الأديب الألماني بأن تسمح الحكومتان الإسرائيلية والإيرانية بقيام سلطة دولية بأعمال رقابة غير مقيدة ودائمة على الإمكانات النووية الإسرائيلية والمنشآت النووية الإيرانية. كما قام غراس بنقد ذاتي، عندما كرّر في مقاطع من قصيدته السؤال التالي: "لماذا سأظل صامتا؟". وهذه ليست هي المرة الأولى التي يُسلّط فيها الضوء على المواقف السياسية للكاتب الألماني الحائز على جائزة نوبل سنة 1999.
ردود أفعال رافضة لمضمون القصيدة
رئيس المجلس المركزي لليهود في ألمانيا ديتر غراومان يصف القصيدة بأنها "عدائية" و"تحرف الحقائق"
وقد أثارت القصيدة ردود فعل رافضة لمحتوى القصيدة، حيث كتب الصحفي والكاتب الألماني هنريك مارسين برودر في صحيفة" دي فيلت" الألمانية اليوم الأربعاء منتقدا قصيدة غونتر غراس، قائلا: "إنه نموذج لشكل مثقف من أشكال معاداة السامية." وتابع برودر: "لقد كان لغراس دائما مشكل مع اليهود، لكنه لم يعبر عنه من قبل بمثل هذا الشكل الواضح كما ورد في هذه القصيدة".
من جهته، انتقد روبريشت بولنز، رئيس الشؤون الخارجية في البرلمان الألماني (البوندستاغ)، قصيدة غراس بحدة وقال "القصيدة لا تروقني". وأضاف في تصريح لصحيفة ميتلدويتشه تسايتونغ في عدد يصدر غدا الخميس: "غونتر غراس هو كاتب كبير بلا شك لكن عندما يتحدث عن السياسة، فإنه يواجه صعوبات كبرى ويحيد عن طريق الصواب. وهذه المرة فقد أخطأ خطأً كبيرا"." وأكد بولنز بالقول: "تحميل إسرائيل المسؤولية بشكل أحادي هو أمر خاطئ. البلد الذي يثير قلقلنا هو إيران وقصيدته (غراس) تصرف النظر عن ذلك"، موضحا أن غراس "قد خلط بين السبب والنتيجة، لقد قلب الأمور رأسا على عقب."
وفي أول رد فعل للمجلس المركزي لليهود في ألمانيا على قصيدة غراس، صرح رئيس المجلس ديتر غراومان: "إنه نص عدائي". وتابع غراومان: "إنه نص غير مسؤول وهو تحريف للحقائق. ليست إسرائيل هي من تهدد السلام وإنما إيران." لكن هناك أيضا موقف مؤيد لغراس، على سبيل المثال موقف يوهانو شتراسر، رئيس مركز(بين) القلم الألماني. الذي يحذر بشدة كما غراس من تصدير الأسلحة لإسرائيل، التي تلمح حكومتها باحتمال شن حرب ضد ايران"
مواقف سياسية سابقة مثيرة للجدل
وقد أثار غراس جدلا واسعا وواجه انتقادات حادة عام 2006 عندما اعترف بشكل مفاجئ في سيرة ذاتية، بأنه انضم في نهاية الحرب العالمية الثانية إلى سلاح "إس إس" النازي الذي كان منوطا به حراسة المعتقلات إلى جانب خوض أعمال قتالية. وكان غراس آنذاك في السابعة عشر من عمره. وواجه غراس بعد هذه الاعترافات اتهامات بافتقاد النزاهة الأخلاقية، إذ أنه حرص على مدار عقود على إخفاء انتمائه إلى سلاح "إس إس" النازي في الوقت الذي كان يوجه فيه انتقادات علنية لآخرين لهم ماض نازي.
وقد دخل غونتر غراس ميادين السياسة في بداية الستينات حيث تعرف على المستشار الألماني السابق فيللي براندت عندما كان رئيسا لبلدية برلين. وشارك بشكل فاعل بدعم الحملة الانتخابية للحزب الاشتراكي الديمقراطي في 1965، 1969 عام 1972. ولم يتردد يوما في إعلان تعاطفه الكامل مع الاشتراكيين الديمقراطيين، لكنه لم يكن عضوا رسميا في الحزب إلا في عامي 1982/83 فقط.
تجدر الإشارة إلى أن الأديب الألماني غونتر غراس قد ولد في 16 أكتوبر/ تشرين ثاني 1927 في مدينة دانتسيغ التي اقتطعت من ألمانيا بعد هزيمتها في الحرب العالمية الثانية وضمت إلى بولندا وأصبحت تدعى حينئذ بـ "غدانسيك". حصل غراس في عام 1999 على جائزة نوبل للآداب عن دوره في إثراء الأدب العالمي وخصوصا في ثلاثيته الشهيرة "ثلاثية داينتسيغ"، بالإضافة إلى جوائز محلية كثيرة منها جائزة كارل فون أوسيتسكي عام 1967 وجائزة الأدب من قبل مجمع بافاريا للعلوم والفنون عام 1994. وفي عام 2005 حصل على شهادة الدكتوراة الفخرية من جامعة برلين الحرة.
ريم نجمي )د.ب.أ، رويترز(
مراجعة: شمس العياري