د/ أحمد السعداني
مسؤول أمني يقترف خطأ مهنيا، يقرر المجلس التأديبي على إثره عزله من منصبه بعد الاستماع إليه، بل وتصدر وزارة الداخلية بيانا يوضح ملابسات وحيثيات القضية. إلى هنا يبقى الخبر عاديا .
إلا أن ما ليس عاديا هو لجوء بعض المنابر إلى تحميل الخبر أكثر من حجمه ومحاولة تمطيطه ليصبح أكثر إثارة وتشويقا بغية تحقيق غايات سياسوية.
إن المسألة لا تتجاوز كونها مجرد خطأ إداري يقع في جميع الإدارات المغربية على اختلاف مشاربها، وربما أن الصفة الأمنية لصاحب الخطأ، وهو بالمناسبة العميد الإقليمي للشرطة رئيس دائرة خريبكة، ومصادفة القضية مع الزيارة الملكية إلى مدينة خريبكة، هما اللذان جعل الخبر العادي يتحول إلى مادة دسمة وفرصة سانحة لكي تمارس هواية الصيد في المياه العكرة ويحاول البعض إقحام شخص جلالة الملك في قضية تأديبية عادية.
إن عزل المعني بالأمر عن منصبه تم بعد استيفاء كافة المساطر القانونية والإدارية المتبعة في هذا المجال، ومنها إحالته على المجلس التأديبي وتمتيعه بكافة الضمانات التي تكفل له التظلم والطعن في القرار .
ولقد تبين أن العميد الإقليمي خرق مبدأ أساسيا وبديهيا في قوانين الإدارة المغربية، يتعلق بالحفاظ على السر المهني والتزام واجب التحفظ، وهو المبدأ الذي يشمل القطاعين العام والخاص كليهما، فما بالك إن كان صاحب الخطأ يحتل منصبا حساسا.
إن محاولة ربط التحقيق الإداري مع رئيس دائرة خريبكة بغضبة ملكية افتراضية، مدعاة للسخرية والاستهزاء وتجاهل صارخ للقوانين الإدارية المغربية والمساطر التأديبية والقضائية في حق المخالفين مهما كانت رتبهم الإدارية.
لقد كان أولى بالذين استهوتهم لعبة الربط هاته أن يولوا اهتمامهم إلى قضية سكان إقامة الفردوس بخريبكة الذين استعادوا حقهم في السكن بعد سنوات من الانتظار والتماطل وذلك بفضل الزيارة الملكية إلى هناك ، بدل البحث عن فردوس سياسوي مفقود ومنبوذ.
وبالمناسبة، نذكر بمضمون الفصل 12 من النظام الأساسي لموظفي الأمن الوطني الذي يفرض على موظفي الأمن الوطني "الالتزام بقواعد الانضباط والتقيد بواجب التحفظ والتزام السر المهني ولو بعد انتهاء مهامهم"، كما نذكر بمنطوق الفصل 23 من مشروع القانون المعروض على أنظار مجلس النواب والمتعلق بالحق في المعلومة والذي يشير إلى" يستثنى من المعلومات التي يمكن الحصول عليها وفق هذا القانون المعلومات المتعلقة بالدفاع الوطني، والأمن العام للدولة، والعلاقات الخارجية للبلاد أو ما يكتسي صبغة إستراتيجية، ومداولات مجلس الوزراء وكل ما هو محمي بواسطة القانون بحكم طابعه السري". وهو نفسه التوجه الذي اعتمده القانون الأمريكي المتعلق بحق الوصول إلى المعلومة، الصادر سنة 1974 تحت عدد 5 U.S.C 552a ، والذي يستثني من الحق في المعلومة كل المعلومات المتعلقة بالدفاع الوطني، والأبحاث والتحقيقات المنجزة بشأن الجنايات والجنح، وكذا المعلومات المتعلقة بحقوق الأغيار، والمعلومات التي يمكن يؤثر عرضها على مالية الدولة.
نفس الشيء بالنسبة للقانون الفرنسي رقم 78. 753 الصادر في 17 يوليوز 1978 المعدل والمتمم بالقانون 483- 2009 المؤرخ في 29 أبريل 2009، الذي يستثني من المعلومات الواجب عرضها للإطلاع، عدد كبير من الوثائق والمستندات، بما فيها تلك التي من شأنها أن تحمل مساسا بالدفاع الوطني، وأمن الدولة، والأمن العمومي وأمن وسلامة الأشخاص، وسير المساطر والمحاكمات، والتحقيقات المنجزة بشأن المخالفات الضريبية والجمركية.