في ليلة الرابع عشر من أبريل عام 1912 ، وقبيل منتصف الليل بقليل، ارتطمت تيتانيك بقمة جبل جليدي، وبعد نحو ثلاث ساعات كانت أضخم سفينة عرفت في عصرها تقبع تحت المياه المتجمدة في قاع شمال الأطلسي.
أكثر من 1500 شخص لقوا حتفهم مع غرق ذلك المارد، ولم يبق من ركابها شخص واحد على قيد الحياة اليوم، .ورغم ذلك لا تزال تلك اللحظة ماثلة بشكل غريب في الوعي الجمعي.
ليس هناك من لا يعرف القصة من قريب أو من بعيد، فالكل لديه فكرة عما حدث خلال تلك الساعات القليلة الحاسمة. فقد اهتزت الأواني والأكواب البلورية بشدة على المناضد في مقصورة الدرجة الاولى.
واصلت الجوقة الموسيقية عزفها حتى بعد أن بدأت الكارثة . على الجانب الآخر كان ركاب الدرجة الثالثة يلفظون أنفاسهم الأخيرة، حيث كانوا أول الضحايا. لقد شهد العالم كوارث غرق سفن كثيرة خلال القرن الماضي، بيد أنه لم يكن لأي منها مثل هذا الخيال الذي صاحب حادث غرق تيتانيك أثناء قيامها برحلتها الأولى والأخيرة من مرفأ ساوثامبتون بانجلترا إلى نيويورك.
كثرة الأعمال السينمائية والكتب والصور والمعارض التي قدمت وألفت ونظمت لا معنى له سوى أن صورا بعينها تتداعى لأذهان معظم الناس عند سماع الاسم. أحيانا تتطابق تلك الصور التي ترسمها المخيلة مع الحقيقة، لكنها في أحيان كثيرة أخرى ، وهو الأغلب، لا تعدو أن تكون محض أساطير نسجت عبر العقود. فورة الخيال لم تكن حكرا على مبدعي هوليوود وحدهم. وما تواتر عن كارثة غرق السفينة السياحية " كوستا كونكورديا" قبالة السواحل الإيطالية ، على كثرته لا يقارن بما تناقلته الألسنة والأخبار عن تيتانيك. ذكريات " تيتانيك" فخر أسطول شركة "وايت ستار لاين" البحرية، تتداعى للأذهان هذا العام بمناسبة مرور مئة عام على غرق السفينة الاسطورة. وفي بلفاست عاصمة أيرلندا الشمالية حيث تم بناء السفينة ، تجرى الان استعدادات لافتتاح متحف جديد السبت المقبل،. وتكلف هذا المتحف ملايين الدولارات وألحق به مركز تجاري. رائعة جيمس كاميرون السينمائية "تيتانيك" التي خرجت للنور عام 1997 ولعب دور البطولة فيها النجمة البريطانية كيت وينسلت والنجم ليوناردو دي كابريو، يعاد إنتاجها مجددا بتقنية البعد الثالث، وستعرض عالميا في الرابع من نيسان/أبريل المقبل.
في عام 2008 اشترى شخص مجهول إحدى تذاكر الرحلة الأولى للسفينة المنكوبة مقابل 55 ألف دولار.
وفي 2010 دفع أحدهم ما يزيد على ثمانين ألف دولار في مزاد عقد في بريطانيا لشراء خطاب كتب على متن السفينة الفاخرة. خلال نيسان/أبريل المقبل، ستطرح اكثر من خمسة آلاف قطعة فنية من حطام تيتانيك للبيع في دار مزادات "جيرنيز" في نيويورك، بينها زجاجات عطر وعلب معجون حلاقة ومجوهرات تخص الركاب، بل وأجزاء من السفينة نفسها.
المجموعة التي تقرر أن تباع كمجموعة واحدة غير مجزأة يقدر سعرها بمئة وتسعين مليون دولار، بالرغم من أن دار المزادات لم تكشف عن أدنى سعر مقبول- ما يطلق عليه السعر الاحتياطي . قائمة آخر وجبة غذاء قدمت على متن تياتنيك سيعقد لها مزاد خاص في بريطانيا نهاية آذار/مارس الجاري مقابل 160 ألف دولار تقريبا.
ما سر ذلك الافتتان الذي لا ينتهي بتيتانيك؟
يقول جون ويليام فوستر وهو أكاديمي متقاعد ألف عددا من الكتب عن تيتانيك إن " هناك الكثير من الأسباب". تيتانيك كانت أضخم سفينة ركاب في العالم في ذلك الوقت كما أن عدد الضحايا جاوز 1500 من أصل 2200 على متنها. عنصر آخر يتمثل في ذلك التنوع الهائل في قائمة الركاب، يقول فوستر "ذلك يعني أن السفينة كانت نموذجا مصغرا للمجتمعين الأوروبي والأمريكي في ذلك الوقت".
الدرجة الأولى ضمت عددا من أثرى أثرياء العالم، والسفينة كانت مادة خصبة بالنسبة للصحفيين والفنانين . كان من بين الركاب أيضا رسامون وكتاب ومصممو أزياء وممثلون.
"النخبة التي اجتمعت في هذه التراجيديا التي تحولت إلى ميلودراما سوداء، لم يجتمع
أفضل منها على متن سفينة في تاريخ كوارث السفن". القصة أعيد إنتاجها وصياغتها مرات كثيرة، وكانت الموجة الأولى، في العام الذي شهد الكارثة نفسها، ففي غضون أسابيع ظهر عدد من الكتب والأفلام، وجاءت الموجة الثانية في خمسينيات القرن الماضي حفزها كتاب وفيلم سينمائي يحملان نفس العنوان "نايت تو رممبر" "ليلة لا تنسى".
بعدها مضت حقبة زمنية لم يثر أحد فيها ذكرى تيتانيك، حتى الثمانينيات، من القرن الماضي عندما تم اكتشاف الحطام عام 1985 ليأتي فيلم كاميرون بعد 12 عاما ويقدم تحفة فنية تلهب الخيال العالمي بها من جديد. ويقدم فوستر تفسيرات متباينة لموجات الاهتمام التي أفصحت عنه الأجيال المتعاقبة، لقد أصبحت تيتانيك ظاهرة أدبية عامة، ويتجدد الاهتمام بها مع ظهور أي مطبوع جديد يتعلق بها. يقول فوستر "وعليك أن تعترف بأن السفينة وما يحيط بها من أحداث تنطوي على قدر لا حد له من الاثارة ".