|
|
|
|
|
أضيف في 28 مارس 2012 الساعة 23 : 11
أبناء تنقلب حياتهم فجأة ليتبنون سلوكات جديدة عن محيطهم، مما يدفع أسرهم للتخوف من ملامح متطرفة تزيح الملامح القديمة التي عهدوها في أبنائهم. بعضهم يرى في تخوف الأسرة مجرد وساوس تتغذى على الحوادث المتطرفة التي تظهر بين حين وآخر، وبعضهم تبنى سلوكات تكتسي طابع الغرابة ليعلن أن الشرع يحرم تقبيل الولد لوالدته. اختار بعضهم التدين بروافد غريبة عن بيئته، وهي في العادة روافد تحمل معها شبح التشدد، بينما انجرف البعض لقناعات جعلته يتبنى دور” المصلح” المقيم لحدود الله. انقلبت الأمور فجأة رأسا على عقب، وتحول الابن المرح إلى شخص انطوائي شديد العصبية. حاولت أمينة جس نبض ابنها دون فرض نفسها بالقوة، «كنت أعتقد أنه يتعاطى المخدرات، لكن مخاوفي تبددت حين بدأت ألاحظ مداومته على الصلاة وقراءة القرآن» تقول أمينة التي لم يستمر اطمئنانها طويلا عندما لاحظت أن ابنها بدأ يتخلى عن بعض عاداته بالتدريج، «لقد كان مدمنا على سماع الأغاني وقد كنت أحاول إقناعه أن يجعل الأمرحكرا على أوقات فراغه، قبل أن ألاحظ أنه تخلى عن الأمر نهائيا» تقول الأم التي بدأت تعد على الإبن أنفاسه.
«أتخوف أن يضم المسجد عناصر مشبوهة»
ترى أمينة أن موقفها لم يكن من باب التحكم في ابنها لعلمها أن الأمر شبه محال مع شاب في مقتبل العمر، وله القدرة على صياغة قناعاته بمفرده، لكنها رأت في تدخلها محاولة في ابقاء بصمتها على شخصية ابنها الذي شعرت أن بصمات جديدة بدأت تمتد لتشكل قناعاته، «لم أتخذ الأمر بجدية في البداية، على العكس كنت أمازحه وأنا أطلق عليه لقب الفقيه، وقد كنت أدخل في نوبة من الضحك حين أراه يوشح بوجهه عن التلفاز ويهم بالنهوض وهو يردد عبارة أستغفر الله، لكن الأمور لم تعد تروقني عندما بدأ التغيير يظهر على ملابسه». تقول الأم التي وجدت في زوجها سندا لها وهما يحاولان التقرب من ابنهما لمعرفة سر التغير. كان الابن يصر أن تغيره لم يكن نتيجة الخضوع لتيار معين، لكن استبدال سروال الجينز بزى “أفغاني” جعل فرضية الخضوع لتأثير طرف ثاني أمرا واردا يغذي تخوفات والديه. «كان يجيبني ببرودة أعصاب ويقول أن الأمر مجرد ذوق لا علاقة له بالحلال والحرام، وقد كانت مراوغته تسد باب النقاش». يتولى زوج أمينة فتح باب النقاش مع ابنه في كل مناسبة عله يضع يده على خيط ما، لكن أسلوب التحايل ينتهي أمام تكتم الابن الذي تعقبه حالات من العصبية، «كثيرا ما يثور في وجهي غاضبا بحجة أنني أتوهم أشياء لا توجد إلا في مخيلتي. يدفعني الأمر أحيانا للبكاء» وسواس قد لا تكون له مبررات بالنسبة للإبن، لكن أمينة تتخوف على ابنها كلما لاح أمامها شبح ابن الجيران الذي اختفى فجأة قبل أن ينتشر نبأ مقتله داخل العراق رفقة مجموعة من الشباب المجندين من المغرب، «كلما رأيت والدته يزداد خوفي من أن أفقد ابني بنفس الطريقة، يزداد خوفي عندما يتأخر ليلا، أو عندما يخرج فجرا للصلاة». تخوف يدفع أمينة إلى الإلحاح على زوجها في اللحاق بالإبن فجرا، «أتخوف أن يضم المسجد عناصر مشبوهة قد تكون مراقبة..ربما يوضع ابني في دائرة الشك» تقول أمينة التي تستحضر سيناريوهات تتغذى على مشاعر الأمومة وبعض المعطيات التي تتحدث عن أبناء جرفتهم تهمة الاشتباه التي تلي بعض الحوادث المتطرفة.
لا يقبل والدته…لا تقبل خالها
تطرف غريب من نوعه، سنده الجهل بأبجديات الدين، واستماتة في الدفاع عن قناعات شاذة، «لم يعد يقبلني متحججا بأن الأمر لا يجوز بين رجل وامرأة» تقول السعدية التي وجدت نفسها بين ليلة وضحاها في خانة النساء المحرومات من حق الوصول إلي خذ الرجل الذي حملته في أحشائها. لم تستوعب الأم املاءات “الدين الجديد” الذي يحرم تقبيل الأم لإبنها، لتجد في شقيقها الوسيط في ترجمة “التعاليم الجديدة” التي فرضها الإبن. فشل الخال الحافظ لكتاب الله ولبعض المتون التي تختزل الخطوط الكبرى للمذهب المالكي في اقناع ابن شقيقته بالعدول عن تصرفاته التي نشرت نوعا من التوتر داخل الأسرة، «عندما يأتي لزيارتنا يطلب مني أن أضع له الطعام علي انفراد رفقة زوجته وابنه ووالده وزوج شقيقته، بدعوي أنه يرفض مشاركة الطعام مع أشخاص لا يصلون…يسبب لي الأمر نوعا من الألم وأنا أرى أبنائي متفرقين أثناء زيارتهم لي يوم العيد» تقول الأم التي تحاول رأب الصدع بين أبنائها الذين ترتفع أصواتهم بسبب المشادات الكلامية التي تعقب نقاشات عن جدوى زيارة الابن الذي يفضل الأكل على انفراد فوق مائدة تتموضع في الجهة المقابلة من المكان الذي يجلس فيه باقي أفراد العائلة. مشهد تقول عنه الأم أنه مضحك ومحزن في نفس الوقت. مشاهد كثيرة تحاكي قصة الابن الممتنع عن تقبيل والده، لكن هذه المرة بصيغة المؤنث، «مابغاتش تسلم على خالي.. تعصب وهو يضربها» تقول أمل التي تروي تفاصيل الحادث الذي جمع شقيقتها بخالها أثناء أربعينية والدتها. تقدم الخال نحو بنات شقيقته في الطابق العلوي. عانق كل واحدة منهن بحنو أبوي قبل أن يفاجأ بإحداهن تمتنع عن الاقتراب منه، «أخبرته أنها متزوجة ولا يجب عليها الاقتراب من الرجال» تقول أمل التي استغربت رد فعل شقيقتها الذي تطور لنقاش حاد مع خالها مما جعله يصفعها بعد أن سدت قنوات الحوار بين الطرفين. لم يكن من حق الحاضرين التدخل، «حاولت صديقتي أن تفهمها بأن الخال يوضع في خانة المحارم إلى جانب الأب والأخ… ولكن قالت ليها سيري ستري راسك عاد جي تدوي معايا» تقول أمل واصفة رد شقيقتها بوجه “الناصحة السافرة”.
وهابي من أرض العم سام
«لم أعد أستوعبه جيدا منذ أطلق لحيته، وتخلى عن أناقته ليستبدلها بقمصان طويلة». تتحدث ابتسام عن التغيرات التي لحقت شقيقها يونس أثناء تواجده بأمريكا، خالقا بذلك المفاجئة لعائلته التي لم تستوعب كيف انقلب الابن المتعطش للحياة إلى شبه زاهد أثناء تواجده ببلد الحريات. يستغرب المحيطون المفارقة التي كانت تدفع الشاب لتكسير المحظورات في بلده المسيج بتقاليد المحافظة، ليسيج نفسه بتعاليم وهابية تحت سماء العم سام. لا يرهق الأخ نفسه بالإجابة عن استفسارات شقيقته المقربة التي كانت إلى وقت قريب بمثابة الصديقة، «كنا نسافر معا داخل المغرب وخارجه، نقصد أماكن للسهر، نمارس هواياتنا المفضلة ونقتسم لحظات جميلة رفقة أصدقاء مشتركين». اختفت القواسم المشتركة فجأة بين يونس وبيئته، بعد أن تمكن من فتح جسور رقمية ربطته بالمملكة السعودية من خلال الانخراط في دروس دينية باللغة الانجليزية بإيعاز من صديق أمريكي اعتنق الاسلام أثناء تواجده بالأردن. «لم تتغير طباعه الهادئة، ولم تغب روحه الاجتماعية وخفة دمه المعهودة على الرغم من تدخله في خصوصياتنا رغبة منه في إقناعي وإقناع والدتي بإرتداء الحجاب» تقول ابتسام التي لا تخفي قلقها الدائم على شقيقها المتشبع بالفكر الوهابي، «أنا لا أعرف معنى الوهابية، ولا أحب الدخول في التفاصيل، لكنه في كل نقاش يخبرنا أنها طريق الحق، وأن المسألة لا علاقة لها بالتشدد الذي يروج له البعض». لا تكترث ابتسام لمعرفة التفاصيل، لكنها تبدي تخوفها من أن يتسبب زي شقيقها الأفغاني في وضعه في دائرة المتابعة،«نخاف أن يتم توقيفه في المطار، أو أن يلقى عليه القبض ظلما في أمريكا عقب أي حدث ارهابي، لذا نحاول اقناعه بأن التدين لا علاقة له باللباس، لكنه يجيبنا في سخرية قائلا…تبارك الله على شيوخ الأمة».
“قصاص” ينتهي بالقتل
تخوفات أمينة، السعدية، وابتسام تتغذى على الكثير من القصص التي لم يفلح الحذر الأسري من النأي بها عن نهايات مأساوية. «بقى كيقلب عليها حتى هزوه، النهار كامل وهو ساد عليه مع صحابو…هادا عدو الله. هادا يجوز فيه القتل .هادا لا يجوز فيه…» تقول مريم بنبرة يختلط فيها الجد بالسخرية وكأنها تود تذكر القصة المؤلمة بطريقتها الخاصة علها تخفف من ثقل الذكرى التي تسبب في شلل الأب، وتدهور صحة الأم مما أثر على الأسرة الصغيرة بعد نبأ القاء القبض على الابن بعد مهاجمته أحد الأشخاص في حالة سكر والتسبب في قتله. لم يستوعب شقيق مريم أن يضج الجو المحيط به بصور لا تتماشى والصورة الخاصة التي ارتسمت في مخيلته بعد جلسات الذكر التي كان يحضرها رفقة “إخوة في الله” لم يدخروا جهدا في إقناعه بأن التغيير لا يأتي من فراغ، بل من خلال الانخراط في عملية تغيير مباشرة تخدم مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. «لقد حاول والدي جاهدا أن يقنعه بالابتعاد عن مجالس دينية يؤطرها الجهلة، وقد أخذه أكثر من مرة إلى دروس يشرف عليها فقيه من المجلس العلمي، إلا أنه امتنع عن الذهاب لكون الفقيه لا يمتلك لحية». انجرف الشاب خلف أصحاب اللحى الكثة على اعتبارها مقياس التدين والعلم وفقا لقناعاته، لينتهي به المطاف خلف قضبان السجن بعدما حاول تطبيق حد شرب الخمر الذي انتهى بجريمة قتل بعد مقاومة “المقتص منه”…
سكينة بنزين. عن الأحداث المغربية
|
|
2373 |
|
0 |
|
|
|
هام جداً قبل أن تكتبو تعليقاتكم
اضغط هنـا للكتابة بالعربية
|
|
|
|
|
|
|
|