|
|
|
|
|
أضيف في 28 مارس 2012 الساعة 23 : 10
لم تختر أي منهن طواعية اقتحام عالم المهن الرجولية، لكن الظروف المادية والاجتماعية هي التي كانت لها الكلمة الحسم في تحديد مصيرهن، بينما أرغمتهن «لكبدة» ومشاعر الأمومة على ركوب الصعب من أجل إعالة أسرهن، التي تحملت كل منهن بمفردها مسؤولية الإنفاق عليها في غياب زوج يتقاسم معها أعباء الحياة. عاشت هؤلاء النساء في الظل لسنوات إلى أن اختارت جمعية مغرب المستقبل تكريمهن والاحتفاء بهن في يومهن العالمي كنوع من التقدير للمجهودات التي يبذلنها لتوفير ظروف العيش الملائمة لأبنائهن. نزلت من منصة التكريم بملامح تعتليها السعادة وعادت إلى مقعدها وسط تصفيقات الحضور، الذين لازموا مقاعدهم طوال الثلاث ساعات المخصصة لحفل التكريم الذي نظمته جمعية مغرب المستقبل، واحتضنته القاعة الكبرى التابعة لدار الشباب العنق في العاشر من الشهر الجاري، بمناسبة اليوم العالمي للمرأة. «فرحانة بزاف بالمبادرة اللي دارو هاذ الشباب…الله يوفقهم!»، بهاته الكلمات عبرت لكبيرة عن امتنانها لأعضاء جمعية مغرب المستقبل، الذين اختاروا أن يكرموها رفقة ثلاث نساء في يومهن العالمي اعترافا بالدور الاستثنائي الذي يلعبنه داخل أسرهن والمجهودات الجبارة التي يبذلنها في ممارسة أعمال شاقة لطالما كانت حكرا على الرجال. تعمل حارسة سيارات! كانت كلمات لكبيرة ترتعش بين شفتيها من شدة تأثرها، قبل أن تنهمر الدموع من عينيها بمجرد أن تشرع في الحديث عن تفاصيل حياتها والمعاناة اليومية التي تعيشها في سبيل انتزاع لقمة العيش. انقلبت حياة المرأة الأربعينية رأسا على عقب بمجرد أن حدث أبغض الحلال بينها وبين زوجها، ووجدت نفسها وحيدة أمام مسؤولية جديدة تتمثل في رعاية مولودتها التي كانت ثمرة ذلك الزواج الفاشل، الذي ذاقت خلاله ألوان العذاب، بعد أن اختفى طليقها من حياتها تاركا إياها رفقة ابنتها في مواجهة مصير مجهول. «دارولينا الإفراغ… ولقيت راسي فالزنقة أنا وبنتي» تقول لكبيرة، ففي غياب أي مورد للرزق، لم تستطع الأم أن تلتزم بدفع مصاريف الكراء، ليكون مصيرها الطرد من الشقة التي عاشت فيها طوال سنوات الزواج. كانت فرصة العمل الوحيدة المتاحة أمام لكبيرة التي غادرت مقاعد الدراسة في سن مبكرة هي حراسة السيارات، لتجد نفسها مضطرة لأن تتجرد من ثوب الأنوثة وملامحها، وترتدي قناع الرجولة كي تزاول المهنة التي لطالما كانت حكرا على المنتمين إلى الجنس الخشن. تعود لكبيرة كل مساء إلى بيتها بعد يوم طويل تمارس خلالها عملها الشاق الذي يبدأ من السابعة صباحا ولا ينتهي إلا في حدود الثامنة مساء، كي تحضر طعام العشاء لإبنتها التي يرغمها العمل على تركها وحيدة لساعات طويلة داخل البيت الصغير الذي تكتريه. «خدمة صعيبة بزاف وفيها المشاكل» تقول لكبيرة موكدة أن عملها لا يخلو من مخاطر، فهي تجد نفسها في كثير من الأحيان وحيدة في مواجهة اللصوص الذين يتربصون بأصحاب السيارات، ويستغلون غيابهم لسرقتها أو للاستيلاء على ما يوجد بداخلها، لكن بالرغم من الصعوبات التي تواجهها تصر الأم على الاستمرار في عملها لأنه مورد الرزق الوحيد الذي تعيل من خلاله إبنتها. تقود شاحنة لنقل النفايات! لا تقل فصول حكاية عائشة مأساوية عن حكاية لكبيرة، لكنها تحمل بين طياتها في الوقت ذاته الكثير من المواقف الإيجابية، نظرا للشجاعة التي تطغى على شخصية الأم التي قررت أن تتحدى الصعاب كي تعيل أسرتها في غياب الزوج الذي يستطيع أن يزيح عنها الحمل الذي يثقل كاهلها ويتقاسم معها أعباء الحياة. قادت الظروف المادية الصعبة عائشة إلى الاشتغال كعاملة نظافة، وهو العمل الذي تؤكد بأنها اصطدمت بصعوبات كبيرة خلال قيامها به، فزيادة على التعب الذي كان يلازمها بسبب مهام الكنس اللامنتهية، عانت عائشة كثيرا من النظرة السلبية التي يرمقها بها المارة ومستعملوا الطريق، الذين تقول عنهم «كيحكروا لمرا اللي كتخدم بحال هاذ الخدمة». كانت عائشة تتعرض باستمرار للمضايقات في الشارع العام، بالإضافة إلى التمييز من حيث المعاملة بين الرجال والنساء من طرف الأشخاص الذين كانت تعمل تحت إمرتهم. تمكنت عائشة مع مرور الأيام من فرض وجودها بفضل جديتها وتفانيها في تأدية عملها، وصارت تحظى بأفضل معاملة من طرف رؤسائها، قبل أن توكل إليها مهمة سياقة شاحنة نقل النفايات، التي كانت تقتصر في السابق على الرجال. يبدأ عملها منذ الساعة السابعة صباحا وينتهي في السادسة مساء، لكن ذلك لم يمنع عائشة من القيام بواجباتها اتجاه أسرتها الصغيرة، فهي تحرص بمجرد عودتها من عملها على إعداد الطعام لأبنائها، والقيام بمختلف الأعمال المنزلية. أول سائقة سيارة أجرة! قصة مشابهة لسابقتها تحمل بطلتها المكرمة خلال الحفل أيضا إسم عائشة زيادة على صفة الشجاعة التي اقترنت بها منذ سنوات، فهي تعتبر أول امرأة تقود سيارة أجرة في جهة الدار البيضاء، وتمارس هاته المهنة منذ 13 سنة، وكان الدافع كذلك وراء اقتحامها عالم المهن الرجالية هو إعالة أسرتها. طريق عائشة نحو إثبات وجودها في ميدان عملها لم يكن مفروشا بالورود، فلقد اصطدمت الأم المكافحة بمجموعة من الصعوبات في بداية عملها، تتمثل في التحرشات والمضايقات التي كانت تتعرض لها من طرف الركاب الذين يجد أغلبهم صعوبة كبيرة في تقبل فكرة تولي المرأة مهمة سياقة سيارة أجرة وإيصاله إلى الوجهة التي ينشدها. لم تكترث عائشة يوما لعبارات السخرية التي كانت تتردد على مسامعها من طرف أشخاص يصرون على التقليل من شأنها ومن المجهودات التي تبذلها من أجل تربية أبنائها في أفضل الظروف، فهمها الوحيد كان ولا يزال هو تأمين احتياجات أسرتها الصغيرة التي لا تريد لأي من أفرادها أن يشعر في يوم من الأيام بالنقص أو الحرمان. تنافس الرجال في التجارة نموذج آخر لامرأة حظيت بالتكريم من طرف جمعية مغرب المستقبل، لأنها استطاعت أن تزاوج بين دور الأم والأب، تدعى الواضحة، فهي تتحمل بمفردها مسؤولية إبن يبلغ من العمر عشرين سنة، يعاني من إعاقة حركية، جعلتها تلج سوق العمل منذ 12 سنة، لتأمين احتياجاته. تعمل الواضحة بائعة متجولة في «القيساريات»، تتنقل من مكان إلى آخر كي تعرض سلعها المتنوعة رفقة إبنها الذي تضطر في أغلب الأحيان لاصطحابه معها على كرسيه المتحرك، في غياب من يستطيع الاهتمام به في الساعات الطويلة التي تقضيها خارج البيت، خاصة أنها لا تستطيع تركه بمفرده، لأن الإعاقة التي يعاني منها تجعله عاجزا عن الاعتماد على نفسه حتى في أبسط الأمور. سماحة وجهها والابتسامة العريضة التي تستقبل بها الناس أكسباها محبة الزبناء الذين يقصدون «القيساريا» باستمرار، إلى درجة جعلتهم يفضلون التعامل معها دون باقي التجار الذين يعرضون سلعهم للبيع بالقيسارية، وهو الأمر الذي جلب لها الكثير من المتاعب والمشاكل مع منافسيها من الرجال، الذين حاولوا بشتى الطرق إزاحتها من طريقهم وحرمانها من مورد رزقها الوحيد. بالرغم من محدودية دخلها، تمكنت الواضحة من القيام بواجبها في إعالة أسرتها على أكمل وجه، فهي تلتزم بدفع ثمن إيجار الشقة الصغيرة التي تعيش بها، كما تتحمل إلى جانب ذلك ضروريات العيش من مأكل، في إصرار تام على عدم الاستسلام للصعوبات التي تواجهها و على استكمال دور الزوج الغائب. شادية وغزو
|
|
2175 |
|
0 |
|
|
|
هام جداً قبل أن تكتبو تعليقاتكم
اضغط هنـا للكتابة بالعربية
|
|
|
|
|
|
|
|