أسبوع أو مايقل عن الأسبوع يفضلنا عن الاستفتاء حول الدستور الذي اقترحه الملك علينا في خطابه التاريخي ليوم 17 يونيو الجاري. سألني صديقي في الفيسبوك "شنو هاد القلبة اللي قلبتي؟" سألته "عن أي قلبة تتحدث؟" قال لي "كتبت في البدء مشجعا حركة 20 فبراير منوها بها متحدثا عن شبابها بصيغة الفخر أنهم استطاعوا نقل نقاش عميق مثل نقاش الحراك السياسي والدستوري إلى المجتمع كله, فمابالك اليوم تكتب منتقدا شبابها واصفا إياهم بأقذع الأوصاف؟"
قلت له إن الجزء الأخير من كلامه خاطئ تماما, فلم أصف أي شاب من شباب العشرين بأي وصف سيء, لكنني بالمقابل غيرت موقفي من حركتهم 180 درجة وأتحمل كل المسؤولية في هذا التغيير تماما مثلما انقلبت جرائد كانت تكتب عن الشباب إنهم "عملاء للبوليساريو والخارج ولأطراف أخرى كثيرة", وصارت اليوم تفتح صفحاتها للبورتريهات المناففقة عن هؤلاء الشباب أو للتحليلات التي تساير هواهم لا لشيئ إلا لأنها تريد الضغط على الدولة بهذا الأسلوب علما أن الدولة تعرف جيدا معنى اللعبة ومغزاها وترفض الدخول في هذا الابتزاز الرخيص حسبما قال أناس مطلعون جدا من داخل مراكز القرار.
شرحت لصديقي شيئا هاما للغاية بالنسبة لي هو أنني اتخذت موقفي الأول تماما مثلما اتخذته هذه الجريدة بناء على معطيات اقتنعنا بها ورأينا أنها عين الصواب, لكننا حين رأينا أن الحركة سقطت في أيدي أناس آخرين بأجندة خاصة, وبرغبة في تصفية كثير الحسابات العالقة التي ابتدأت قبل أن يولد أغلب الشبان الذين يشكلون اليوم الحركة قلنا لا, وامتلكنا شجاعة المجاهرة برأينا رغم أننا نعلم أن التيار الجارف اليوم _ خصوصا لمن يريد أن يبيع صحيفته _ هو أن نعوم على عوم الغالبين و أن نقول إن كل مايفعلونه جيد للغاية ولا يستحق إلا التنويه.
لكننا خلقنا هكذا لحسن الحظ أو لسوئه, حين نرى اعوجاجا نسميه بالاعوجاج. حين نفطن إلى أن الشباب في 20 فبراير أصبحوا أسرى لعبة العدل والإحسان والنهج الديمقراطي نجاهر بها. حين يبدو لنا أن هناك أحزابا وجماعات سياسية محظورة تريد أن تأكل الثوم باسم الشباب وتريد أن تشتغل وفق أجندتها التي لم تجد لها سبيلا للتطبيق على أرض الواقع منذ سنوات بهؤلاء, نقولها. عندما نفهم أن الغرض ليس هو الدفع نحو التغيير السياسي ونحو مبادرات جديدة من قبيل تلك التي أعلن عنها الملك وهو يغير دستورا بدستور, بل الهدف هو الدفع نحو التأزيم وأن كل جمع عام يبحث فقط عن المكان الأكثر توترا الذي يمكن أن يتجمهر فيه المتظاهرون وأن يضربهم البوليس بأكبر قدر ممكن من العنف, نعلن على رؤوس الأشهاد أننا نعارض كل مايقع ونؤكد أن التغيير لن يتم بهذه الطريقة أبدا في هذه البلاد.
قال لي صديقي "نتوما مخزنيين من الأول وماعبرتم عنه كان خدعة مكشوفة قبل أن تعودوا إلى أصلكم الأول". قلت له "إن كل هذا الكلام لايعني لنا شيئا. نحن منشغلون بالمسار الأكبر الذي دخله بلدنا ونحن آسفون أن هذه الحركة لم تلتقط عظمة اللحظة المغربية ولم تستوعب المتغيرات التي حدثت في البلد وواصلت ترديد نفس الكلام الذي خرجت اليوم الأول في الشارع لكي تردده مع زيادة جرعات فارغة من الحساب السياسي التابع للعدل والإحسان والنهج الديمقراطي, ومع زيادة غير قليل من الحيرة في كيفية التوصل إلى حل لكل هذا النزول أسبوعيا إلى الشارع دون أدنى فكرة عن الطريقة ولا عن الكيفية التي سيتم بها التخلص من كل هذا.
أضفت إن الحركة دعت الشعب المغربي إلى مقاطعة الاستفتاء على الدستور, وأنا أتساءل مثلما يتساءل غيري من المغاربة إن تم الاستفتاء بنجاح, وشاركت فيه أغلبية شعبنا هل ستعترف الحركة أن الشعب لم يسمع نداءها؟ أم تراها ستقول إن المخزن دفع بكل قواه لكي يشارك الكل غصبا عنهم في الاستفتاء؟ أم تراها تستفيد وتراجع الأخطاء الجسيمة التي وقعت فيها لحد الآن والتي تعد كثيرة جدا بالنظر إلى عمرها القصير _ لاينبغي أن ننسى أن عمر حركة 20 فبراير لم يبدأ إلا يوم 20 فبراير أي أنها لم تتجاوز الستة أشهر من عمرها إلا بأيام _ وتقول إنها لاتعرف كيفية التعامل مع الشعب المغربي؟
صمت صديقي طويلا ثم أجابني بما يجيب به أبناء الحركة كلما وضعهم أحد في "كورنر" أو أوصلهم إلى نهاية النقاش أنتم مخزنيون والسلام". قلت له إن سبنا لن يتقدم بالنقاش مترا واحدا وإنه من الأفضل له وللحركة والمنتسبين إليها والتعاطفين معها أن يفكروا في طريقة أخرى لمخاطبة المغاربة, فهذه الطريقة لاتنفع أبدا مع شعب مثل شعبنا, تعود باستمرار على ألا يسلم قياده لأحد مهما بلغت بهذا الأحد الرغبة في قيادة شعب لا يثق إلا بالقلائل وهذا أفضل مافي الموضوع كله, بدءا ووسطا وحتى ختام الختام.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
أعجبني كثيرا تدخل صديقي بوسلهام الضعيف في التلفزيون حول ماتعرض له مهرجان المسرح من قتل على يد أبناء المسرح للأسف الشديد. الضعيف قال إنه عضو المكتب التنفيذي للنقابة ولا علم له بقرار المقاطعة الذي ضرب المهرجان في مقتل مؤكدا أن أسهل القرارات اليوم هو قرار المقاطعة, وأن من دخلوا في هذه اللعبة استعملوا المهرجان كطريقة لتصفية حسابات شخصية لهم مع الوزارة لا أقل ولا أكثر.
برافو بوسلهام لقولك إياها بهذا الوضوح, فهو مايلزمنا وسط لعبة المقامرة بكل شيء التي انخرط فيها الكثيرون اليوم دون أدنى تفكير في العواقب إطلاقا