فيما أثمر الربيع العربي في بعض البلدان العربية أزهارا وورودا، وهبت نسائمه محملة بعبق الروائح الزكية، لا تزال عواصف الشتاء تهب، في عز الربيع، على أقطار أخرى، حيث تشكو البذور من عناء الخروج من تحت التراب، والأغصان التي تسللت بمشقة من بين الأوحال مهددة بالانكسار في أية لحظة بسبب قوة الرياح التي تهب بين الحين والآخر.
وبالنسبة للمدير العام لوكالة التنمية الفرنسية، دوف زيراه، فإن بلدان جنوب المتوسط، سنة بعد ثوراتها، تكدّ من أجل إعطاء دفعة جديدة لاقتصادها، وجلب الاستثمارات الضرورية للنهوض به.
وفي تقييمه فإن المنطقة تنقسم إلى قسمين، فمن جهة هناك المغرب، الذي يقترب اقتصاده، يوما بعد آخر من اقتصاديات البلدان الناشئة، ثم الجزائر التي تحمي اقتصادها بفضل ثروتها النفطية، ومن جهة أخرى هناك البلدان التي يعيش اقتصادها وضعا مقلقا وغامضا في إشارة إلى تونس وليبيا ومصر.
والسؤال هو : كيف نجح المغرب في تحقيق هذا الوضع؟
لقد بادر الملك إلى الإعلان إصلاحات دستورية جريئة، تلاها إجراء انتخابات سابقة لأوانها، أوصلت حزب العدالة والتنمية إلى الحكم، ولم يتردد محمد السادس في تسليمه مقاليد السلطة التنفيذية، في وقت تخشى فيه بلدان أخرى من فوز بضعة نفر من الأحزاب التي تسمى الإسلامية، وهو ما منح الاطمئنان للغرب، الذي ظل يراقب عن بعد تطورات المشهد في العالم العربي، قبل أن يقرر التدخل عسكريا في ليبيا.
ومنح احترام المغرب لنتائج صناديق الاقتراع اطمئنانا أكبر للفاعلين الاقتصاديين في الداخل والخارج، علما أن الربيع المغربي لم يتحول إلى أعمال تخريب وقتل، كما حدث في باقي التجارب، بل توقف عند منطق الاحتجاج صاحبته أحيانا محاولات يائسة للتخريب، ظلت مجرد وقائع معزولة عن سياق المطالب.
وفي نفس الوقت، لم يؤثر كل ذلك على مسلسل البناء الاقتصادي الذي دشنه المغرب، حيث استمرت الأوراش الكبرى من طرق وموانئ وقطارات وغير ذلك، واستمر النقاش الدائر حول جدوى القطار الفائق السرعة، وصندوق المقاصة، واقتصاد الريع، وكل ذلك بهدف أن تواكب الإصلاحات الاقتصادية الإصلاحات السياسية، في أفق التنزيل الصحيح لمضمون وروح الدستور الجديد.