دوخة العثماني
الدوخة التي أصابت سعد الدين العثماني ليست نتيجة ضربة شمس، ولكن هي خلاصة مسار من التنطع وعدم الرغبة في الإنصات للرأي الآخر، فالعثماني يوم جاء للديبلوماسية حسبها رحلة من رحلات ابن بطوطة غير أنه اكتشف أنها صراط غير مستقيم وتحتاج إلى دراية ودربة والأكثر من ذلك أنها تحتاج إلى الدخول برفق والولوج إلى كواليسها بعناية مركزة. فالديبلوماسية ليست لعبة يمكن الإمساك بها بسهولة. فلما زار العثماني لأول مرة الجزائر ثاق في ابتسامة عبد العزيز بوتفليقة وظن أنه سيفتح الحدود، مثلما هي في وعيه الفتوحات الإسلامية، وظن أنه لم يبق بينه وبين عودة العلاقات إلى حالتها الطبيعية سوى بضعة إجراءات، وقال حينها، إنه حقق ما لم يحققه غيره في هذا الموضوع خصوصا بعد الساعات الطوال التي قضاها في الحكي مع الرئيس الجزائري، اليوم عاد ليقول لن نستجدي فتح الحدود من الجزائر. في هذا التصريح خلاصتان : الأولى، هي أن العثماني اكتشف حقيقة الأوضاع واكتشف أن الديبلوماسية ليست فقط رحلات واستجمام ولكنها تعب وإرهاق ومفاوضات عسيرة وأوراق تلعب في اللحظات الحاسمة، وهي دروس ينبغي أن يتعلمها العثماني الذي حاول منذ وصوله إلى مقر وزارة الخارجية الاستحواذ على جميع الملفات إلى درجة جعلت حزب الاستقلال ينتفض انتفاضته المعروفة "وقف البيضة في الطاس" أو حرق مراكب الحكومة. والثانية، أن العثماني ما يكاد يتعلم حرف الباء في الديبلوماسية حتى ينسى كيفية كتابة الألف. فما الجدوى من هذا التصريح؟، وما فائدته الديبلوماسية؟، ولماذا زيادة العداوة على العداوة المتأصلة؟، ألم يكفيه عداء النظام الجزائري؟، والتصريحات أوراق تلعب بها الدول في الوقت والحين وليس تصريحا صحافيا عابرا. لو سكت العثماني لكان خيرا، فليس هناك سبب لنزول هذا التصريح. فصراعنا مع الجزائر واضح وضوح الشمس لكن الديبلوماسية المغربية ليست من النوع الذي ينقر الآخرين مثلما تناقر الديكة ولكن كما الفعل ديبلوماسي فالقول أيضا ديبلوماسي، ولا مجال في السياسة الخارجية للمزايدات وكم من العلاقات تم قطعها فقط لأن تصريحا من التصريحات أساءت إلى دولة من الدول. وليس كل ما يفكر فيه يقال. يبدو أن العثماني لم يتعلم كثيرا من عمله الديبلوماسي وإن كان كثير الرحلات، ويبدو أنه متأثر بزعيمه في العدالة والتنمية ورئيسه في الحكومة، الذي أدلى بتصريحات لا طائل من ورائها بخصوص الجزائر بل تعتبر تدخلا سافرا في شأن بلد له سيادة، وذلك يوم بشر بفوز الإسلاميين في الجزائر في الانتخابات المقبلة مما جعل الجارة تعتبره دعاية مجانية لأحزاب سياسية على حساب أخرى، ومثل هذا الكلام غير المحسوب هو الذي يجر العداوات أو يصب عليها الزيت إن كانت قائمة. فالديبلوماسية الحقيقية، هي التي تعرف كيف تدير العلاقات المتوترة مع بلد آخر وليس تدبير العلاقات الممتازة والاستراتيجية التي تسير بشكل طبيعي، واللي داخ يشد الأرض.
عن النهار المغربية