كنا رفقة عبد الباري بن الصديق المعروف بالزمزمي يوم الجمعة الماضي في “قفص الاتهام” برنامج “ميد راديو”الأسبوعي. الحلقة نحت بشكل طبيعي نحو الحديث عن الفتاوى المثيرة للجدل التي برع فيها الزمزمي منذ القديم،وبالتحديد للفتاوى الجنسية التي تثير اهتمام الناس أكثر من عداها لارتباطها بأمور حميمية وشخصية في حياة كل واحدمنا، مما لاينفع تجاهله أو تمثيل دور غير المكترث به لأن الأمر غير صحيح بالمرة.
الكثيرون ينتقدون الزمزمي على هاته الفتاوى التي يطلقها، لكنني أعتبر أنه أكثر شجاعة من كثير من الذين يشغلون نفس وضعه الاعتباري. الرجل يقول لكل من يريد سماعه إنه أفتى العشرات بل المئات من الفتاوى على امتداد تاريخه الفقهي، لكن الناس لا تهتم إلا ببضعة فتاوى جنسية أطلقها هنا أو هناك, قبل أن يعود إلى التأكيد على أن الأمر لا يتعلق أصلا بفتاوى، ولكن بأسئلة ترد عليه ويجيب عنها في إطار عدم قدرته على الامتناع عن إجابة سائل في قضية يعرف فيها ولها الجواب.
البعض يقول إن الزمزمي تخصص في هاته الفتاوى حد إعطاء تصور معين ومعيب عن الفقيه المغربي الذي لا تشغل باله إلا القضايا الجنسية، لكن الحقيقة العارية هي أن الزمزي ليس الشخص المشغول بهاته القضايا، بل الجمهور الذي يهتم بهاته الفتاوى هو المهووس فعلا بالتيمة الجنسية، المتسقط لأخبارها، الباحث عن أصغر تفاصيلها، القابع في كل الأمكنة ترصدا للقطة هنا تثير الغريزة، أو للمسة هناك تحيي منه العضو القادر على ممارسة الحياة.
ولو كنا في بلدان تحترم هذا الجانب الأساس والهام والشخصي والحيوي من الإنسان، لخصصنا منذ اللحظات الأولى للتعليم دروسا في التربية الجنسية تعفي ناسنا من اللجوء للزمزمي وغير الزمزمي لطلب الفتاوى في أمور الجنس. لكنناأناس أعطتنا النعامة استراتيجيتها لمواجهة الحياة، فقررنا عبر قناع حشومة وعيب وعار وحرام أن نخفي كل شيءتحت التراب إلى أن نستفيق على كل أنواع الانحراف الجنسي لدى أناس غير قادرين على عيش حياتهم بكل بساطة،لأن المجتمع والأعراف والقراءة الجاهلة للدين فرضت عليهم أن يخفوا كل مايهم هذا الموضوع بهدف تأجيل النقاش فيه باستمرار إلى حين لن يأتي أبدا.
عندما أطلقت جريدة “الأحداث المغربية” سنة 1998 ملحقها الشهير “من القلب إلى القلب” فوجئ المتتبعون بحجم إقبال الناس على الملحق، وكان صحافيون من داخل الجريدة، بل ومسؤولون فيها يطرحون السؤال باستمرار عن مشكلة هذاالمغرب الذي يخفي هذا الكم الكبير من العقد المرتبطة في أغلبها بالجنس وبعوالمه المثيرة والخفية. انتقد الكثيرون الملحق والجريدة التي تصدره، و”سمعنا من المنقي خيارو”، وكنا نقول باستمرار إن المشكل ليس فينا نحن الذين ننشرمشاكل هذا المجتمع ولكن المشكل الأساس يوجد في مجتمع يعيش كل هذا دون قدرة على الحديث عنه.
لم ينصت إلينا أحد، ولحقت بنا “يافطة” علقت لنا باعتبارنا جريدة الجنس بامتياز. لم ننف الأمر لكننا قلنا “نعم نحن جريدة كل شيء ولا مشكل لنا في تبني كل مشاكل المغاربة من أكبرها إلى أصغرها مع علمنا أن كثيرا من أصغرها هوالذي يتسبب في أكبرها دون أن ندري”. ومع ذلك بقي النقاش غير قادر على أن يفرض نفسه حقا في المجتمع. تغيرت الأشياء بشكل كامل مع الأنترنيت والرقمي. دخل المغاربة عوالم مشاهدة وقراءة ومتابعة ماكان ممنوعا عليهم جنسيابكل الوسائل الممكنة، وأصبح عيبا أن يحاول أي منا وقف النقاش حول هذا الموضوع، لأن المسألة أصبحت مستحيلة،لذلك يبدو لي الفقيه الزمزمي شجاعا بالفعل في هاته النقطة، وقادرا على أن يتحدث فيما يعتبر الفقهاء الآخرون أنه من العيب الحديث عنه، علما أن كبار علماء المسلمين كانوا يعرفون قيمة “الشيء” جيدا ويعرفون أن مسلما صالحا غيرمرتو جنسيا لن يكون سويا أبدا والأمر ذاته منطبق على المسلمة المحرومة، لذلك خصصوا الأبحاث الكبرى للموضوع،بل كتب فقيه عالم كبير في الدين مثل الإمام إبن حزم كتابا إيروتيكيا ورومانسيا رائعا هو طوق الحمامة الشهير، ناهيك عن “كتب البورنوغرافيا” الواضحة التي كتبت في المجال من “عودة الشيخ” إلى غيرها من أمهات المؤلفات في هذاالمجال.
آش طرا للمسلمين حتى أصبحوا يخافون الموضوع الجنسي وقد كانوا من رواد التفنن فيه والإبداع كل ساعة جديدة في اكتشاف عوالمه، قبل الفرنسيين والإيطاليين الذين يقولون عن أنفسهم إنهم الأفضل في هذا المجال اليوم؟
الذي وقع هو أن ردتنا الفكرية العامة، وإسلامنا القياد للجهل لكي يصبح المحرك الأساس لبحثنا الحياتي تسببا في جعلنا أناسا يخشون كل شيء، ويخافون مواجهة أنفسهم في المرآة، ويعتبرون أن “العيب والحشومة” المرضيين (لأن الحياء الحقيقي مستحب ومطلوب) من الممكن أن يسيرا حياتنا إلى ما لا نهاية.
تلك هي المشكلة الكبرى، لذلك سنهتم جميعا كلما قال لنا الزمزمي أو غيره أن “الخيزو” لا يصلح للنظر وتقويته فقط.سنقرأ ماقاله وسنتابعه، وبعدها – وعلى عادة أي منافقين أصلاء – سننتقده علنا، علما أننا في السر سنفعل ماقاله، بل وأكثر بكثير…
لمختار لغزيوي larhzioui@gmail.com