بقلم: حكيم بلمداحي
الهجمة الشرسة التي يشنها بعض المحسوبين على حركة الإسلام السياسي، ردا على الندوة الفكرية التي نظمتها «مجموعة الديموقراطية والحداثة»، تعيد النقاش إلى نقطة الصفر حول الخصوصية والكونية. بل تعيدنا إلى مرحلة ما قبل إنجاز وثيقة الدستور، حيث تعبأت حركة الإسلاميين لمواجهة كل توجه للدستور للتنصيص على الكونية بما تحمله من احترام للمواثيق الدولية وممارسة السياسة في معزل عن الهيمنة الدينية الاستبدادية. وقد جاءت هذه التعبئة بعدما اتصل بعض أعضاء لجنة مراجعة الدستور بالإسلاميين يستنفرونهم مما اعتبروه «هيمنة العلمانيين على اللجنة»؛ وقد أفلحت العملية بعدما تم التصدي لنقاط كان سيكون لإدراجها في الوثيقة الدستورية معنى كونيا آخر.
ويواصل «الإسلامويون» الترويج لنفس المغالطات بنعت دعاة فصل السياسة عن الدين، باللامتدينين وبالمدافعين عن الخمر والبغاء وما إلى ذلك من التهم المجانبة للصواب، والتي تستهدف الضرب تحت الحزام، بقصد الهروب إلى الأمام والتنصل من مواجهة الحجة بالحجة، الناظمة لكل جدل مفيد.
إن التحجج بالخصوصية في مواجهة دعاة الكونية، من قبل «الحركة الإسلامية» إنما هو تأكيد على أن القواعد المؤسسة للديموقراطية وحقوق الإنسان، تشكل خطرا حقيقيا على مشروع هاته الحركة التي تضع نصب عينيها الهيمنة على الحكم وعلى المجتمع انطلاقا من استعمال المقدس. وهذا المشروع، غير المدقق المعالم عمليا، هو مشروع تيوقراطي استبدادي يذيب الفرد في الجماعة، ويجهز على حقوقه المدنية باسم الدين كما يفهمه هؤلاء ويستعملونه.
وما لا يقوله «الإسلامويون» للناس، هو أن العلمانية التي يدعو إليها قطب الحداثة في المغرب، هي دفاع عن الدين بالدرجة الأولى وليس إقصاء أو معاداة له. فشعار العلمانية في المغرب هو «الدين لله والوطن للجميع». كما أن فلسفة حقوق الإنسان لا تعادي أي عقيدة، بل تقوم على تكريم الإنسان وتمتيعه بمكانته الإنسانية التي تليق به في المعاملة والسلوك والعمل.
وطبعا، ما يخيف الحركة الإسلامية، كحركة سياسية، هو أن التنصيص على قواعد الديموقراطية وحقوق الإنسان، سينزع عنها الشرعية السياسية التي تقوم أساسا على العمل بمنهج وضعي وعلمي على حكم الناس وتدبير شؤونهم.
وبالنسبة للمغرب، ورغم الشوائب التي ما تزال عالقة بالوثيقة الدستورية، إلا أن هذه الأخيرة فصلت في موضوع السياسي والديني، حينما وضعت شؤون دين البلاد في يد مؤسسة إمارة المؤمنين. فـعلى الذين يحاولون جاهدين الهيمنة على هذا الحقل من منطلق السياسة، احترام مقدسات وهوية البلاد، دون التباكي على الدين بغية استنساخ هوية دخيلة على بلادنا وفرضها على المغاربة.
عن الأحداث المغربية