يهمني كثيرا مستقبل حزب الاستقلال، أنا الذي ترعرعت ، ذات زمن، داخل العائلة اليسارية، بيد أن الأخبار التي تصلني من كواليس التحضير لمؤتمره الوطني تبعثني على القلق، وربما سيكون مفيدا القول إن عباس الفاسي وهو في السبعين من عمره، يتحمل مسؤولية جسيمة في المرور بحزب الاستقلال إلى ضفة النجاة، أو جعله يغرق في العبث.
لقد أساء عباس الفاسي التدبير حين كان وزيرا أول ثم رئيسا للحكومة، في عهده عاش هذا المنصب الحكومي أسوأ أيامه، وانعكس ذلك على صورة الحزب وجاذبيته، ولولا أن الاستقلال يتوفر على آلة انتخابية قوية تفصل بين الحزب والحكومة، لكان مصيره اليوم مثل الاتحاد الاشتراكي، في الواقع، إنه الحزب الذي لا يعاقب أبدا، حتى وهو في أضعف مستوياته، لكن الزمن يتغير والرهان على الآلة الانتخابية ليس مضمونا دائما،
ما يعزيني هو أن حزب الاستقلال ليس هو عباس الفاسي، في اللحظات الحاسمة يكون الحزب دائما في مستوى اللحظة التاريخية، في نهاية الثمانينات اختار الانسحاب من الحكومة والالتحاق باليسار فأحدث تعديلا في ميزان القوى السياسي انطلقت معه صيرورة الانفتاح السياسي للنظام، وها هو منذ ثلاثة أشهر يعيد الفعل التاريخي نفسه، حين «تخلص» من ارتباطات الكتلة الديمقراطية وقرر الإلتحاق بحكومة العدالة والتنمية محدثا بذلك هزة جديدة في ميزان القوى السياسي.
في كل مرة يحمل التاريخ الاستقلاليين مهمة سياسية دقيقة، صحيح أن الاستقلال حزب محافظ، لكنه وطني ديمقراطي لا تخلو الكثير من مواقفه من نزوعات نحو التحديث، إنه الحليف المحافظ للديمقراطيين الحداثيين حتى وهو يوجد في قلب حكومة الإسلاميين. إن الإستقلال بهذا المعنى، واحد من صمامات الأمان في وجه الانقلابات المحتملة على مكتسبات الديمقراطية، خصوصا أن ما يوجد في المعارضة شتات ما يزال يتلمس طريق هويته الخاصة في الفعل المعارض لحكومة بنكيران.
إنه رهان الديمقراطيين على حزب الاستقلال، وحتى يكون في مستواه، خلال فترة تاريخية يبدو أنها ستطول، يحتاج الحزب لأن ينجح في محطة مؤثمره المقبل، إن النجاح يفيد تجديد نخبته وتقوية تنظيماته، لكن الأهم، هو أن يفرز قائدا شابا قادرا على إعادة الإشعاع والإعتبار لحزب تضرر كثيرا من ولايات عباس الفاسي.
بكل الوضوح الممكن، أقول لك السي عباس، باركة من الخواض التنظيمي، وتثبيت المقربين في مراكز القيادة، إن ما يحتاجه الحزب ليس تغيير وجه بآخر، بل التخلي عن نمط تدبير جيل بأكمله، وعلى حد علمي، يوجد في الاستقلال من الأطر الشابة، ما يصلح لجعلنا، نحن معشر الديمقراطيين، نطمئن على مستقبل واحد من مفاخرنا الحزبية في هذا البلد.