جواد غسال
مقدمة لابد منها
قلما يُنزل الطالب نفسه منزلة "المواجهة" مع من يفوقه علما وفكرا، ويدخل في الجدال وهو يتربع موازين مختلفة في المستويات العلمية والزاد الفكري والثقافي، الذي تزيد من مراكمته طول التجربة وتاريخ الفرد في أتون العلوم، فكيف إن كان المجادَل ممن يتقنون الخوض في المواضيع الفلسفية، تساعده العلاقة "البراغماتية" باللغة في مواجهة المجادلين في شيء اشبه بحوارات "السوفسطائية" من حيث الشكل لا المضمون، لكن يحركني الفضول ومحاولة إسماع الصوت ولو لنفسي في أعمق الآبار، وأنا لا أستسيغ بعضا من مقالات / بيانات أحمد عصيد الإديولوجية...
متن القصيد
يثير في المواضيع التي يتناولها أحمد عصيد، أستاذ الفلسفة، كيفية تحوير الوقائع الناذرة والمعزولة وتركيعها لخدمة مفاهيم وخطابات وأحكام معدة مسبقا، أو كما قال أحد الفلاسفة، "يفلسف الأمر الواقع، ويرفع وقائعه إلى مستوى التعليل الإطلاقي"، ليجيب على ذات المفاهيم، وهو تعبير عن النكوص الثقافي والفكري، أو بعضا من أزمة ومعضلة المثقف في زمننا الراهن...
فعصيد يناقض طروحاته الفلسفية الساعية إلى علو المفاهيم الكونية ذات الارتباط بأسس الحكم ونُظُم السلطة، والداعية إلى حلول المساواة والعدل والعدالة والحرية والحق والقانون... محل الدكتاتورية والاستبداد والرأي الواحد...وإلزام الناس بالخضوع للقانون على قدم المساواة... فيأتي عندما يحتاج "إلى عدو"، ليدعو "الأقلية" لاستبداد الرأي والدخول في الصراع ضد "حكم الأغلبية" بناء على النوايا، وطروحات استعدائية بنيت بالأساس على وقائع بعينها، كان الأصل فيها الدعوة إلى تطبيق القانون على من تسبب فيها، فدعى إلى الوقوف في وجه الإسلاميين معتبرا أن إيمانهم بالديمقراطية "الشكلية" لا يعني بالضرورة أنهم يؤمنون بالديمقراطية، والحال أن "أشد أعداء الديمقراطية في عصرنا قد هاجموا بالضبط الديمقراطية "الشكلية" باسم الديمقراطية "الجوهرية"" بتعبير فرانسيس فوكوياما في كتابه "نهاية التاريخ والانسان الاخير".
لقد هاجم عصيد الألوف المؤلفة من الفقهاء بناء على تصريحات تعد على رؤوس الأصابع لبعضهم، وزج بالجميع في دائرة "الجمود العقدي"، وكأني به يقسم الناس بذات تقسيم فوكوياما إلى "ما يمت رجعيا إلى التاريخ، وإلى ما تقدم منهم نحو ما بعد التاريخ".
ثم هوى عصيد بمعوله على حكومة الإسلاميين قبل تنصيبها، داعيا من سماهم "الحداثيين والديمقراطيين" إلى التكتل في مواجهة أي "مس بالمكتسبات"، ليعود مرة ثانية ويبني على واقعة معزولة أيضا في تارودانت بين أستاذين، (كان الأصل أن يفصل فيها القانون، وأن يرفع التنظيم الحقوقي الذي ينتمي اليه الشكاية الى القضاء)، ويدعو من جديد إلى التكتل من أجل مواجهة "النكوص السياسي والحقوقي"...لم يحدث عصيد بهذه اللغة من قبل عندما كانت المواجهات تؤدي إلى مقتل طلبة التيار الأمازيغي في الجامعة في "صدامات" ضارية مع اليسار الجذري...لكن اليسار لم يكن يرقى إلى درجة "عدو إديولوجي مضمون".
وبنى عصيد على حادثة أخرى في الرباط تأكد فيما بعد أنها من صنع رصيف الصحف...
فمتى رأى عصيد في الدول الغربية التي يركع فكره أمامها تمجيدا، ويصورها وكأنها تطبق ديمقراطية مطلقة، (متى رأى) خطأ الفرد يرد بالعقاب الجماعي وإعلان النكوص في مبادئ تنظيمه؟... يستقيل رئيس دولة ورئيس التنظيم السياسي لارتباطه بفضيحة ويستمر التنظيم على أن يسير بالقواعد الديمقراطية...
لقد تبدت عورة الكثيرين من أبناء الحركة الأمازيغية في شعاراتهم وخطابات حقوق الإنسان والحرية والكرامة... ومختلف "المبادئ الكونية"، حينما لجأوا إلى إنشاء جمعية للصداقة الأمازيغية-الكردية، فقط لأن تركيا بدأت تناصر غزة بعد حرب الإبادة التي قادتها "إسرائيل" سنة 2006، وهي الحرب التي أطبق لسان أمثال عصيد حيالها...
فما يحتاجه عصيد الذي بنى رمزيته وشرعيته "العلمية" و"الفكرية" في أوساط الحركة الأمازيغية على إديولوجية "العدو هو الآخر" كما يسميها حسن أوريد في "مرآة الغرب المنكسرة"، هو عدو إديولوجي بالأساس، وليس خصما سياسيا، لأن الأول يمكنه من أن يبني نظرياته وطروحاته على أساس المظلومية المواجِهة ل"انتزاع اعتراف الآخر"، والثاني يحتاج إلى شرعية جماهيرية لإثبات الوجود بالمنطق الذي تفرضه القواعد الديمقراطية، وهو عكس الرصيد الجماهيري للحركة الأمازيغية بأكملها، التي فشلت في التحول إلى حركة شعبية، ما أجبرها لاختيار "تمثيل" نخبوي لأصحاب الملف الحقوقي قسرا...ولن تسمح الحركة الأمازيغية للإسلاميين ب"سرقة نضالاتهم" والقيام بخطوات تاريخية في العلاقة مع الأمازيغية كتلك التي قام بها وزير الخارجية والتعاون...
بكلمة
إن ما يصدره عصيد من مقالات لا تعدو أن تكون سوى مجرد بيانات إديولوجية، تقتات على وقائع منفردة للحفاظ على "الصراع" ومحاولة تجنب الأسوأ : تيار بلا عدو، في مرحلة يعد أمس ما يكون فيه إلى عدو إديولوجي بامتياز، خصوصا أن لا أحد يستطيع لعب هذا الدور أو سيتم اختياره له، ما دامت كل الإديولوجيات قد ضعفت وهانت وانهارت، "إنه العدو النموذجي والضروري" كما يقول إمانويل طود... وخصوصا أن تحقيق المطالب ومراكمة المكتسبات يحوِّل الفاعل الرئيسي فيها تدريجيا إلى مجموعة وظيفية منتهية الصلاحية...
Jaouad800@gmail.com