بقلم محمد أبويهدة
فتاة تجرد من ثيابها وتتعرض للاعتداء في حي من أحياء العاصمة بدعوى أن ملابسها غير لائقة.. ميليشيات تتجول بحرية في عين اللوح لتقوم بمهام رجال الدرك والأمن وتعتدي على الناس بدعوى محاربة الفساد.. وزراء يخرجون لمهاجمة المهرجانات والفن.. دفاتر تحملات للأعمال السينمائية والتلفزيونية بـ«لباس فضفاض» يسمح بتضييق الخناق على الإبداع… هي علامات تؤشر على ردة مقبلة في مجال الحريات.
بعد الخرجات والشعارات التي رددها قياديو «العدالة والتنمية» حول احترام حريات الأشخاص وبعد أن اعتقدوا أنهم كسبوا ثقة الناس بهذه الخطابات المطمئنة، ظهرت أحداث متفرقة من حيث الزمان والمكان -مما أشرنا إليه سابقا- تقع بشكل يبدو في أول وهلة أنه عفوي وأنه تناغم بين المجتمع «المحافظ» وشعارات القياديين الإسلاميين، غير أن هذه الأحداث في الواقع لم تكن سوى تطبيقا لإشارات قياديي «العدالة والتنمية» في مهاجمة الإبداع والفن اللذين يعتبران المجال الأساسي للتعبير الحر في زمن انكمش فيه المثقفون المغاربة وكأنهم ينتمون إلى مجتمع آخر.
لقد أخرجت تماثيل بوذا المحطمة «ملالي» الطالبان من كهوفها وكانت الصور والشرائط التي جالت العالم بأكمله لقاذفات «ار بي جي» وهي تطلق النار على هذه التماثيل المنحوتة في الجبال علامة على دين جديد يغزو المجتمعات المسلمة هو دين العنف وسفك الدماء والقتل بدون رحمة. تحطيم التماثيل كان بمثابة العلامة الكبرى لخروج هذا الدين إلى العلن، لكن قبل ذلك سبقته علامات صغرى، كالاعتداء على النساء وتحريم الفن وتكوين ميليشيات تجوب الشوارع لفرض «قانونها» بالقوة والعنف.
أليس ما تعتبره وزارة الداخلية والحكومة «أحداثا متفرقة» هو بمثابة هذه العلامات الصغرى؟ وهل ينتظر المجتمع المغربي والمثقفون والديموقراطيون ظهور العلامات الكبرى لخروج «الملالي»؟
محاكمة الفساد والمفسدين وناهبي المال العام، عملية ضرورية لترسيخ ركائز التدبير الجيد للمؤسسات العمومية من أجل دمقرطتها، لكن ليس هذا فقط ما يحتاج إليه المجتمع المغربي الذي هو اليوم في أمس الحاجة إلى حماية ثقافته وقيمه من التطرف.