أشعر كالكثيرين بأن القنبلة الدخانية التي ألقيت على الشعب المغربي بما عرف بقضية لكريمات لا تحسم أمر الفساد والفاسدين والمفترضين بقدر ما تنتج في الساحة المزيد من الألم والحسرة والأخطر الفوضى والتطرف والتصعيد في الهتاف والمطالب.
وأتلمس كغيري بأن الشارع تعجبه لعبة التحول إلى محكمة وبعض قواه تمارس بإمتياز لعبة النظم الشمولية وهي تصنف الناس وتقسمهم وتشكك بولائهم لمجرد الإختلاف في الرأي.
توقعي كمواطن مغربي أن من نزل للشارع فعل ذلك لإن السلطة لم تكن تحترم بالماضي الرأي الأخر.
وفعل ذلك دفاعا عن حقي وحق أي مواطن مغربي في التعبير والرأي والكلمة على أساس التساوي والتوازي ومن غير المعقول أن يتحول الشارع اليوم في بعض تعبيراته إلى سوط أو سلطة تقمع وتمنع من يخالفها الرأي.. هذا كثير جدا على حراك وليد يعاني أصلا من إختراقات رموز كانوا في السلطة.
لكن توقعاتي تخيب فبعض قوى الشارع اليوم ترفع شعار{لا صوت يعلو فوق صوت الصخب -الشعب - } وعندما تعلق الأمر بقضية لكريمات أو غيرها مثلا برزت المفارقة المؤلمة فلا أحد يستمع لأحد وكل ما يريده أصحاب الصوت العالي في الشارع هو قطف رؤوس وإيداعها السجن بصرف النظر عن الحقيقة والعدالة والأدلة والقضاء ودولة المؤسسات والقانون.
لم نؤيد الشارع ونبارك خطواته ونغفل قصدا عن مشكلاته ومحاولات البعض ركوب مطالبه الشرعية لكي يحولنا حتى قبل إشتداد عوده عندما نختلف معه بالرأي إلى متهمين وحماة للفساد المفترض.
حراك المغاربة كما أفهمه إنطلق لصيانة حقوقي الدستورية كمواطن ولا يحق لأحد تحويله إلى محكمة شعبية وأداة لقمع الرأي وتخوين الناس أو تكفيرهم أو وسيلة للإرهاب الفكري فليس كل ما يقوله الشارع أو يدعيه صحيح ومنطقي ولا يمكن لوعيي قبول فكرة أحد منظري الشارع عن عقوبة أولا تعقبها محاكمة ... ما هذا الهراء؟.
وكل من تحدث قبل الربيع العربي عن ضعف النظام وإنطلاق الحراك بسنوات طويلة عن الظلم والتعسف والسيطرة الأمنية وتحمل كلفة ذلك إقصاء وتهميشا وإستهدافا حتى من قبل بعض رموز الشارع اليوم عندما كانوا في خندق النظام ..كل هؤلاء وأنا منهم سيقاومون لحظة {التوحش} عند بعض رموز حراك الشارع من أصحاب الأجندات ودعاة العدالة العمياء وبنفس الكفاءة التي كشفوا فيها التعسف والإستبداد في الماضي.
الإستبداد نوع واحد لا أنواع وبعض دعاة الفرقة والإنقسام الذين يريدون إصلاحات ديمقراطية لنصف الشعب المغربي فقط يختطفون الحراك ويحولونه إلى إستبداد من نوع مطابق لإستبداد الناس الذين خرجنا بالشوارع أصلا ضدهم.
ليس من حق أحد إدعاء الحقيقة والصواب .. تلك قاعدة أساسية للحوار الحضاري بين البشر لا تشمل النظام ورموزه فقط بل قبل النظام يتوجب تطبيقها وبحرفية على رموز الشارع والحراك والإختلاف بأي جزئية مع إيقاع الشارع الصاخب اليوم لا يخرج أحد من الملة ،ففي تازة،أو بني بوعياش،أو وجدة اليوم لا يوجد ثورة ولا يوجد ولا شخص واحد يريد إسقاط النظام ومحاكم الحراك الإقصائية التي تخطف لغة البيان والإعلام أحيانا هي السبب المباشر في إنتاج ظاهرة {الأغلبية الصامتة} وفي إبعاد نخب صلبة ومؤثرة وذكية عن مشهد الحراك الذي يحاول بعض أوغاد السياسة والإعلام والإبتزاز إختطافه لمساحتهم.
سيتهمني البعض بخيانة الحراك والتعامل مع المشروع الصهيوني بعين اللوح فقط لإني تجرأت على إنكار حق الشارع بإقامة محاكم شعبية ورفضت بدعة المحاكمة السياسية ففي الخطاب الحضاري لا توجد هذه ولا تلك .. ما أعرفه ولا أريد معرفة غيره هو وجود قانون وقضاء وحقوق دفاع متكافئة. المتهمون بالفساد شعبيا او قضائيا من الذين يخطبون فينا ليل نهار بالعفة والفضيلة ما الذي يمنعهم من التقدم ولو من تلقاء أنفسهم للإجابة على تساؤلات الناس وتوضيح الحقائق وحتى للخضوع لتحقيق قضائي فالخضوع للقضاء شرف حضاري لا يدانيه شرف خصوصا إذا كان الخاضع بريئا فعلا.
المعادلة إذا واضحة حنى تصمت الألسن التي تدعو لمحاكم سياسية وشعبية بإسم الشعب المصدوم وحتى تتحقق ملامح الإنصاف ويعود رجال الدرك والأمن إلى معسكراتهم والناس إلى بيوتهم. للأخوة في الحراك: أرجوكم لا تمارسوا الإرهاب الفكري وتحرفوا المسار وللأخوة المتهمين بالفساد: أرجوكم قولوا كلمتكم وقصوا علينا الحكاية وسلموا أنفسكم للعدالة.